المقال أو المقالة فن إبداعي يتناول فيه الكاتب ويسلط عدسته نحو موضوع ما بطريقة يحاول إقناع المتلقي بأن يتفاعل مع فكرته ورؤيته، مجتهداً في تعزيز ما يطرحه ويقترحه بمقومات يعتقد أنها تؤثر في المتلقي، وذلك نحو مشكلة معينة أو أمر ما، وأنها - أي المقالة - عادة ما تتناول موضوعاً في نظر الكاتب أنه بحاجة إلى علاج.. وليس بالضرورة تكون المقالة كما أسلفته، ولكنها كذلك في الشأن العام، وإن تقاطعت أسس وأركان كتابة المقال في كثير منها..
بين يدي كتاب ( مقالات في التربية والإجتماع ) لـ محمد المبارك، الكتاب يقع في 98 صفحة من القطع المتوسط ويضم (43) مقالاً تتنوع مادتها وتتشكل مضمونها في موضوعات عديدة ومختلفة، وذات أطر وأبعاد تربوية واجتماعية وثقافية في أغلبها، وموضوعات أخرى، حيث أن الكاتب لم يترك بحيرة إلا ورمى فيها بعضاً من حصياته.. كون المقالة قالب ووعاء يضع فيه الكاتب أفكاره ومرئياته حول مشكلة معينة بآلية يصل بها إلى القارئ سواء كان مسئولاً أو صاحب قرار أو حتى القارئ العادي، قد يكون موضوع المقالة نابعة نتيجة تجربة شخصية وحياتية أو من واقع المجتمع المحيط أو المعاش أو نتيجة ضرورة أو فكرة تتناول في هذا المجتمع أو ذاك.. لا يخفى أن المقالة فن إبداعي له أسسه وقواعده وأطره التي يعتمد عليها، وهنالك الكثير من التصنيفات للمقالات سواء التي تحمل في طياتها لوناً سياسياً أو اجتماعياً أو ثقافياً أو رياضياً أو تربوياً أو نقدياً أو طبياً أو بيئياً أو هندسياً والألوان فيها تُبهت وتزداد دكونة، فهي تتشكل من ألوان ٍ لتعطي مساحة كبيرة وواسعة، ولكنها محدودة بإطار معين.. ومحمد المبارك أخذ يتجول في هذه الألوان وحولها، وهو يرمي بحجره في المياه الراكدة مرة بأحجارٍ كبيرةٍ ومرة أخرى بأحجارٍ صغيرةٍ وفي مرات قليلة تكون الحجارة لا تُرى، لا يعطي المبارك علاجاً جذرياً وإن ألمح وأشار إليه.. وأحياناً يدلك على بداية الخيط ويتركك لتصل به إلى النهاية، إنه لا يدعي بأنه كاتب متمرس لكتابة المقال وهذا يدل على تواضعه، ولكن من يقرأ له يجد أنه فعلا متمرس وذو رؤى عميقة ففي إحدى مقالاته والتي عنونها بـ « الصراع بين وسائل الإعلام والثقافة « يقول : ( هل حقاً بدأ الصراع بين وسائل الثقافة بعد حوار الثقافات وحوار الحضارات الذي يتحدث عنه العالم اليوم ويدعو إلى الالتفات إليه ..؟!) تساؤل له وزن وثقل كبير لا يتفوه به إلا من هو مالكٌ لثقافة واسعة وأظنه يمتلكها بل هو مالك لها.. المبارك في كتابه يغوص كثيراً في بحيرات يصل عمقها في العديد منها إلى عمق المحيطات، وهنا أطرح سؤالاً : لم َلمْ يحظَ المبارك بمساحة حتى يكتب في عمود أو زاوية أسبوعية .؟ ولماذا تكون كتاباته متناثرة هنا وهناك في صحف محلية وعربية ..؟ ولعلي أصرخ : من يتبنى موهبة المبارك ..ويعطيها زاوية أسبوعية ..؟
محمد المبارك كاتب جميل ومرهف ويمتلك قوة الرؤية وبعد الثقافة، فهو خطى بخطوة نحو هذا اللون من الكتابة حتى أخذت خطواته في التسارع والثبات والتوازن وقد وصُف بأنه « ينطلق في كتابه بمدخلين متوازيين أهمية المواضيع التي تطرق لها ومدى إحاطته لما يكتب مبنياً على خلفة علمية وتجربة ميدانية واستشراق لأفق المستقبل والإصلاح والأخذ بالأسباب ..) كما قال المهندس عبد الله الشايب في مدخله والذي يشكل تقديماً لهذا الكتاب.. غاص المبارك في بحيرات كثيرة، والجميل فيه أنه يجيد السباحة والعوم أيضاً.. يكتب لجميع المستويات.. لجميع فئات المجتمع وحسب عمقهم الثقافي والمعرفي، كون أهم ما يميز المقالة عنده تناسبها والشارع العام بعيدة عن النخبوية رغم توجيهها لهم.. عند محمد المبارك ميل إلى الفلسفة وهذا ما يجعلنا نقول أنه يتفلسف في مقالاته ويعتمد عليها، والمتابع بل المطلع على كتاب المبارك يجد أنه فعلاً يستحق القراءة لأنه يصل بك إلى بعض الحقائق والمعلومات التي يفقدها الكثير منا وقد تدخل من خلالها في عصف ذهني وبهذا نجد في مقالاته أنه استطاع أن يكسب له جمهوراً من القراء على اختلاف طبقاتهم الثقافية.. تتميز موضوعات المبارك بأنها كلاسيكية الطرح وتحمل لوناً من الانطباعية رغم ما بها من فلسفة وعمق رؤى، وربما هذه طبيعة المقالة الصحفية الشاملة.. ورغم تقليدية الطرح إلا أن عناوين المقالات في هذا الكتاب تحمل أفكاراً ورؤى كنتيجة طبيعية لإتساع اطلاع وثقافة يمتلكها المبارك وإن كان كلاسيكياً في الطرح والأسلوب فهو حداثي الرؤى.