Saturday 15/02/2014 Issue 428 السبت 15 ,ربيع الثاني 1435 العدد
15/02/2014

الإنسان

تعود معرفتي بالشاعر أحمد الصالح إلى مطلع عام 1400هـ عندما كنت أعمل في مكتب رعاية الشباب بحائل، وكان المكتب يقيم بعض النشاطات الثقافية من محاضرات وندوات وأمسيات شعرية ومعارض فنون تشكيلية ومسابقات ثقافية وعروض مسرحية وغيرها، ولست أذكر بالتحديد كيف عرفت أو وصلت إلى الشاعر أحمد الصالح، فعندما اتصلت به وعرضت عليه فكرة زيارة حائل والمشاركة في أمسية شعرية رحب واستجاب فوراً، وكان يشاركه في الأمسية الشاعر الشاب عبد الله الصيخان، وكسبت به صديقاً عزيزاً وفياً مخلصاً متواضعاً محباً للجميع، وتوثقت علاقتي به بعد انتقال عملي إلى الرياض، ويحسن بي أن أذكر شيئاً مما كسبه من تقدير وحب أهالي حائل لحسن خُلقه وبساطته ولكونهم يحبون من يحب حائل وبالذات عندما خصهم بإحدى قصائد الأمسية ومنها قوله:

عاد هذا الهوى..كما كان بكرا

والحديث القديم قد ط اب نشرا

ومشى في (أجا) شميم الليالي

منشدا من معاني الحمد شعرا

يوم ماوية تحوط قِراها

وقرا (حاتم) سماحا وبشرا

(لبدة) لم تزل (لماوي) دارا

ولها من (أعيرف) خير مسرى

كل ذكرى تنال منها الليالي

(حاتم) الجود ليس تبليه ذكرى

وقف الدهر منصتاً لعدي

و(عدي) بقومه كان أدرى

إيه (يابن الوليد) هب لي قومي

إنهم للجهاد يأتون ذخرا

ومشى.. في لواء (طئ) ينادي

نصرة الحق (بالسناعيس) أحرى

أذكر أنه أهداني ديوانه الأول (عندما يسقط العراف) والذي صدر حديثاً من القاهرة، إذ كان وقتها في رحلة إليها بصحة الصديق عبد الله الماجد.

بعد سنوات قليلة وبالتحديد عام 1404هـ 1984م، كان المسؤولون برعاية الشباب يحضرون لإقامة الأسبوع الثقافي السعودي بالجزائر، وعند تحديد أسماء المثقفين الأدباء ممن يقع عليهم الاختيار كان من أول من كُتب اسمه الشاعر أحمد الصالح، وعند الاتصال به اعتذر فما كان من رئيس الوفد وقتها الدكتور فهد العرابي الحارثي إلا أن وسَّط الدكتور عبد الله العثيمين فقَبِل على مضض، فطلبنا منه إرسال جواز سفره لتسهيل أمور إجراءات المغادرة.. ولم يُحضره إلا قبل السفر بيوم واحد.. وعند تفحصه وجد أنه غير صالح لانتهاء فترته منذ خمس سنوات.. فاتصلت به وأذكر أنني قلت له إن الذي لقبك بـ(مسافر) ليس صادقاً إلا إذا كان يقصد العكس.. وقلت له: متى آخر مرة استخدمت الجواز؟ قال: إنني قد سافرت به قبل حوالي سبع سنوات إلى القاهرة وحاول أن يجعل هذا عذراً لإعفائه من السفر.. إلا أن مدير الجوازات عندما كتب له بشكل مستعجل جدد له جوازه في ساعات.

وكان السفر مع مسافر حيث عرفته عن قرب إذ شارك مع عدد من الشعراء أذكر منهم الشاعر عبد المحسن حليت والذي لا يكاد يفارقه.. وقد حمل ديوانه الجديد (انتفضي أيتها المليحة) وأهداه لرفاقه في الرحلة، ومن بينهم الفنانان الأحسائيان محروس الهاجري، وعبد الرحمن الحمد اللذان اختارا قصيدة من الديوان عنوانها (تتساءلين) ولحناها وغنياها تقديراً للشاعر وإعجاباً بالقصيدة التي تمجِّد الوطن وتتغزل به.

كما صادف وصول صديق الشاعر والجميع الأستاذ عبد الله الناصر من أمريكا إلى الجزائر ليتسلم منصبه الجديد ملحقاً ثقافياً بالجزائر.

استمرت علاقتنا ولو بشكل غير متواصل فكان هو المبادر بالاتصال والسؤال في المناسبات وغيرها، وعندما انتقل عملي إلى مكتبة الملك فهد الوطنية أصبح يزورها، وعندما لا يجدني يكتب أبياتاً شعرية يبثها شعوره وعواطفه فيتجدد اللقاء.. عرفت أنه تقاعد من عمله ورافق ابنته عند تعيينها مدرسة في إحدى مدارس الزلفي مما اضطره إلى السكن هناك لسنوات مع أن بقية عائلته تقيم بالرياض، وكان لا يزور العائلة إلا في العطل الأسبوعية.. وبعد سنوات نُقلت إلى إحدى مدارس منطقة سدير فكان يتردد بها يومياً من الرياض لسنوات أخرى.. وكان بإمكانه توسيط من بيده اتخاذ قرار نقلها إلى حيث تقيم ولكن أنفته واعتزازه بنفسه يأبيان ذلك.

أحيي المجلة الثقافية وأشكرها على احتفائها بهذا الرجل الذي هو أحد المبدعين في الساحة الأدبية مشاركاً باسم وطنه في المحافل الثقافية العربية والأجنبية؛ ليعلي من مكانة هذه البلاد ونتاجها الفكري؛ فتكريمه تكريم لفكره النير ووطنيته الحقة وإسهامه في البناء الحضاري لهذه الأمة، وجميل أن يأتي تكريمه في هذا الوقت؛ فمن وفّى لوطنه ذكره الأوفياء.

وختاماً، فمن حقنا أن نذكر أن الشاعر الصالح لم يسبق له أن ابتذل شعره في المدح والإطراء، بل كان كله في تمجيد الوطن وإطراء تاريخه وذكر مفاخره.