Saturday 15/02/2014 Issue 428 السبت 15 ,ربيع الثاني 1435 العدد

في ليلة جازانية استثنائية

الغذامي يثير أسئلة الحقوق والحريات والعنصرية وصناعة الثقافة

الثقافية - عطية الخبراني :

لم يكن المساء مختلفاً فحسب, ولا المكان يكتسي بشراً يملأون قاعة الأمير فيصل بن فهد للمحاضرات بنادي جازان الأدبي فحسب, ولم تكن الصالة طاولة ومكبرات صوت وشخصين يجلسان على كرسيين أعلى المسرح ليستمع لهما الحضور قرابة الساعتين ونصف, فقد اختار مقدم الأمسية ومدير الحوار الأستاذ إسماعيل مدخلي أن يقدم ضيف جازان الكبير الأستاذ الدكتور عبدالله بن محمد الغذامي تقديماً مختلفاً يليق به.. فأعرض عن سرد كم كتب وكم ألف ومتى ولد وأين ليقدمه مفكراً مستقلاً وعالماً حراً يليق به وبجازان أن يجلس على طاولة مستطيلة لساعتين ليقول رأياً ويقدم فكراً ويجيب على مداخلات ويثري مساء كم افتقدته قاعة الأمير فيصل بن فهد بالنادي.

اختارت الليلة أن تبدأ بصوت نسائي يرحب بالضيف, تقديراً للمرأة واعترافاً بجميل حضورها في المشهد الجازاني, فرحبت الأستاذة بشرى اليامي مرحبة بالغذامي مفكرأ وضيفاً في ليلة من ليالي أغنية الجنوب «جازان».

يبدأ الغذامي شاكراً لجازان وأهلها ومثنياً على التقديم المختصر وداعياً إلى أن نقول كلاماً مختصراً ثم نترك الأفكار لكي تنمو, يشكر ويذكر أننا في زمن تويتر وزمن المائة وأربعين حرفاً ليدلل على أن اللحظة لا تحتمل مزيد تقديم للدخول إلى عوالم الليلة والتي ستأتي بعنوان «كيف تصنع الثقافة معانيها» ومضيفاً أن الزمن الذي نعيشه هو «تويتر».

يبدأ الغذامي فعلياً محاضرته بالتأكيد على أنه لكي تصنع الثقافة معانيها لا بد من الإشارة إلى قانون التاء تاء «تاءان» التعاقب الزمني والتواتر فأي كلمة أو معنى أو فكرة يتعاقب عليها الزمن وتتواتر فحينئذ تصبح من الرسوخ والاستقرار لدرجة أنك تصبح مسخراً لها حتى وإن كنت ضدها, مشيراً إلى أن الثقافة لها معجمها الخاص والخطورة أننا لا نضبطه ولا نعتني به لذلك فهو يؤثر علينا كثيراً ويعيد برمجتنا ويحولنا لمنتجين له ولسنا مستهلكين فحسب.

كما يشير الدكتور الغذامي أنّ الثقافة لها ثلاث مؤسسات تصنع معناها، هي: الشعر والصحافة وتويتر، موضحاً أنّ الشعر عندنا له زمن طويل يتجاوز الأربعة عشر قرناً، بينما نرى أن الصحافة العربية لها قرن واحد فقط، لكنّ انتشارها ربما يعوّض عن زمن حضورها القصير مقارنة بالشعر مثلاً، أمّا «تويتر» فهي المؤسسة الأقصر عمراً وتجربة، لكنّ زخمها القويّ جعلها ذات مفعول لزمن طويل ومؤثر, مؤكداً على أن الخطاب العام حصانته هي حرية التعبير، وليس هناك خطاب في الثقافة العربية تطوّر مثلما تطور الشعر, فقد ظلّ يتطور الشعر بأساليبه وأبنيته وصيغه طوال تلك العقود لأنّ الثقافة خدمت وسيلتها التي تتحصن بها وتحصنها، حيث ظل النقد خادماً للشعر إلا في السنوات الأخيرة حين تحول إلى نظريات نقدية ونقد ثقافي، وكذلك فقد تطوّرت الصحافة لأنها استجابت للتطور العالمي من حولها.

وتابع الغذامي: نحن في تويتر لا نتسلى ولا نزجي الوقت كما يتصور البعض حين يدخل إلى تويتر, لكننا في الحقيقة نطرح سؤال حرية التعبير بشدة, لأننا حين نمضي إلى تويتر فنحن نمضي دون سلطة تمنعنا من ذلك أو توقفنا عن الكتابة وحرية التعبير, وحين يشعر أحد ما بذلك فإن باستطاعته أن يمارس أساليبه للتخفي والتعبير بما يريد بمعرفين وثلاثة وأربعة كلها وهمية, وهذا ما سماه لاحقاً بالمعنى الملون في تويتر الذي لا يمكن الإمساك به أو محاصرته لأنه زئبقي, وهذا المعنى سيقود الحركة الذهنية في التفاعل الثقافي كله.

يمضي الغذامي في محاضرته ليضيف نماذج تطبيقية لسؤال الحرية والحقوق حين بدأ الحديث عن ثلاثة نماذج أو حالات كانت مفصلية في سؤال حرية التعبير في تويتر وهي نموذج الفنانة الكويتية التي قاضت من قذفها في تويتر وكسبت قضيتها وحكم على القاذف بالجلد, ثم حالة الدكتور سلمان العودة مع الأستاذ داوود الشريان حين منح الأول الثاني ثلاثة خيارات وهي الاعتذار أو الإثبات أو المحاكمة, معتبراً أن هذا يدخل ضمن الحوار الثقافي وأن الحكم النهائي هو حكم المحكمة, فليس ثمة منتصر حتى يظهر حكم المحكمة فكلاهما في كفتين متساويتين, وأما النموذج الثالث والذي حظي بأكثر وقت المحاضرة وكان مفصل المحاضرة وعمودها الفقري كما يراه الدكتور الغذامي حين أشار إلى أنه لولا هذا النموذج لما أقام محاضرته, وهو نموذج الكابتن نوال هاوساوي التي قدمت من وصفتها بوصف عنصري إلى المحاكمة, معتبراً أن السيدة نوال قد أثارت قانون النقد والمحاسبة, كما أثارت سؤال العنصرية وأخرجته على السطح.

كما أشار الدكتور الغذامي إلى أن الهوساوي قد أحالت كل التنظير الذي يُقدًّم في النسق وثقافة الحقوق إلى فعل على الأرض, وبالتالي فهو يعتبرها أفضل منه لأنها قامت بذلك, لأننا دون فعل كفعل نوال سنظل داخل نطاق التنظير حول المتن والنسق دون أن نتقدم فعلياً إلى الممارسة التطبيقية لذلك.

لم يكن الوقت الفعلي للمحاضرة طويلاً, لكن المداخلات والإجابة عليها أضافت إلى الليلة نكهة أخرى حتى استحالت محاضرة أخرى لا تقل جمالاً عن المحاضرة الأصل على حد تعبير الدكتور حسن حجاب حين تحدث في نهاية المحاضرة.

كان من أبرز المداخلين الأستاذ عبدالرحمن موكلي والذي تحدث عن أن النسق هو ال نحن لكن تويتر هو الأنا, شاكراً للدكتور الغذامي إثارته لسؤال الحقوق وحرية التعبير, كما داخل الأستاذ أحمد السيد عطيف ليؤكد على أهمية إبراز الشخص لنفسه واسمه وعدم التخفي لأن هذا يتنافى مع جوهر ما تقدمه محاضرة كهذه, في حين داخل الأستاذة عائشة اليامي لتشير إلى سؤال الوعي وأنه أهم من الثقافة لأن الثقافة تحتاج إلى مزيد من الوعي لتطبيقها وإلا لا فائدة منها, أما مداخلة الدكتور أحمد آل مريع رئيس أدبي أبها فقد جاءت للحديث عن أنه كيف تعيد الثقافة بناء معانيها ويبدو أن تويتر اليوم هي التي تتفوق على تقنية المجاز وتتجاوز فكرة حرية التعبير حينما يستطيع الطرف الآخر أن يستنجز جزءاً من هذه الحرية وهي المسؤولية, كما توالت المداخلات لتعيد إنتاج الكثير من الأفكار وتستحث العديد من الرؤى من قبل الضيف.

في صبيحة اليوم التالي التقى الدكتور الغذامي بأعضاء نادي القراءة بجامعة جازان في لقاء مفتوح في مقر إقامته في فندق «جازان إن» وكان برفقته عميد شؤون الطلاب بالجامعة الدكتور الشاعر محمد حمود حبيبي والمشرف على نادي القراءة القاص حمزة كاملي وعدد من أعضاء النادي, ومضى الحديث حول العديد من مفاهيم النقد والإعلام الجديد وتويتر تحديداً.