لا أخوض كثيراً في النقاشات الطائفية، فتلك النقاشات غالباً تفضي إلى لا شيء عدا مزيد من الاحتقان والبغض والعداوة، فحين تتناقش مع شخص ظل يتشرب خطاب المنابر منذ أن كان في المهد صبياً، ويُحرَّم عليه قراءة كتاب يختاره بنفسه، وإن كان يهجس في كتاب لم يحلل قرائته (الملالي) فإنه كافر مجرم كفره مشهود والدليل قول الملاَّ الفلاني أن من يقرأ الكتاب العلاني فقد خرج من الملة وصار من الكافرين، أقول حين تتناقش مع شخص كهذا في أمر ما فماذا ستستفيد غير قتل الوقت بحديث ممل لن يؤدي إلى أي نتيجة تذكر، ولو ظننت أن النقاش مع شخص تشرب تلك الخطابات المحتقنة وتشبع من رأسه حتى أخمص قدميه من تلك الأكاذيب التي لا يصدقها عقل بشري سوف ينور عقله ولو بنسبة 1% لما عدلت عن تلك النقاشات، لكن عرفت أن حظي من تلك النقاشات هو التعب فأعرضت عن الجاهلين.
إن السياسة التي فرضتها الدولة الإيرانية على كل من يواليها وبالذات من هم تحت حكمها السياسي كشعبها (هي سياسة التجهيل)، فمن السهل جداً على أي شخص أن يكذب على آخر طالما أنه جاهل، لكن لو كان عالماً ببواطن الأمور وممسكاً بزمام العلم متسلحاً بنور المعرفة فلن يكون بمقدور أي شخص آخر خديعته إلا في أمر يجهله ولن يحاسب عقله على ما يجهل. لذلك لا يجوز لفرد ما يعيش في إيران أو يوالي إيران في سياساتها أن يقرأ أو يستمع إلا في أفق محدود ضيق حدده الملالي حتى لا يتأثر عقله بتلك القراءات التي سوف تفتح عقله وتجعله يثور على تلك الأكاذيب ويتحرر من الشعور بالظلم الذي أسسوا له وبالتالي يخسرون فرداً قد تلحقه جماعة تلحقها جماعات فيخيب المشروع وتفشل تلك الأيدولوجية الإيرانية.
لقد صور الإيرانيون خطباء المنابر على أنهم أهل الكرامات وطوعوهم بطريقة أو بأخرى لنفث سم الجهل في عقول الضعفاء والبسطاء من عوام الشعب غير المدركين لحقائق الأمور فحرموا الكتب بشكل مشدد حتى ينشأ الفرد منهم لا يستدل ولا يقرأ ولا يسمع إلا لأولئك الخطباء فوق المنابر وربما في بعض الأحيان لن يتكلم أو يأكل أو يشرب إلا بأذنهم وبعد علمهم واطلاعهم.
إن قتل الحرية في أي دولة كانت يبدأ من خلال قتل العلم وتحجيم الثقافة العامة، لأن ذلك بطبيعة الحال يؤدي إلى طواعية العوام لنظام الاستبداد ورضاهم به، لأن عقولهم أصبحت تدار بالريموت كنترول فنما إلى اعتقادهم أن ذلك النظام من بركات السماء وأن عليهم الرضا به، وإن كان فيهم من حدثه عقله الباطن بذلك الجهل فإنه لن يستطيع البوح بذلك، بل إنه سوف يجاهد نفسه لطرد تلك الهواجس من عقله كأنه يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذا بالضبط ما تريده إيران من شعبها وأتباعها الموالين لسياستها حتى يستطيعوا تحقيق تلك الأيدولوجية التي يخطط لها النظام الإيراني وقد أصابهم الهوس بها!
إن حرية القراءة والبحث عن المعلومة لديهم لا تتعدى تلك الكتب التي ألفها (ملاليهم) وملؤها بالكثير من الكذب والخرافات التي لا يصدقها العقل البشري، مما جعل أولئك الموالين لإيران سواء من الشعب الإيراني أو من الأقليات في بعض بلدان العالم ضيقي الأفق محدودي المعرفة. فحين تتحدث لأحد منهم حول قضية ما ويأتيك بدليل واستشهاد ليس من القرآن ولا من السنة بل من أقوال ملاليهم ويحمل الكثير من الخرافات غير المنطقية والتي لا يستطيع العقل استيعابها أو تصديقها لأنها من المستحيلات، فإنك تكتشف حينها تلك المحدودية الأفقية الضيقة جداً والتي حرمت العقل البشري من النمو السليم الذي يدرك ويحلل ويستنتج بالقراءة والاطلاع والبحث خاصة وأن وسائل اكتساب المعرفة أصبحت كثيرة، وبالطبع ذلك العقل المغيَّب لو قرأ قليلاً لاستدرك وتمرد على تلك الترهات وذلك الكذب الرخيص الذي نسبوه إلى التأصيل للعقيدة الإسلامية، وهي براء من كل ذلك.
تلك الثقافة التي اكتسبها العوام من المنابر المتعصبة والكتب التي كتبها ملاليهم المتشددون جعلت العوام في حالة من الغيبوبة الفكرية التي تجعلهم يدافعون عن ذلك النظام ويهاجمون من يهجس في تلك الأفكار المكتسبة والمفروضة على العقل فرضاً بأنها كذب وخداع، وهذا ما يجعل المرجعية كما يحبون تسميتها تخشى بشكل هستيري من انفتاح إيران على دول العالم، إنهم يخشون انتقال الثقافات والعلم مما يدمر تلك الإمبراطورية المستبدة والتي تتحكم في عقول أولئك المغيَّب وعيهم وإدراكهم.
أنا لا أختلف مع الشيعة لأنهم شيعة فحسب فلكل إنسان حرية اختياره وإيمانه ومعتقداته ولا يمكن لي أن أفرض على أحد الكيفية التي يختارها لنفسه، أنا أختلف فقط مع تلك العقليات التي لا تريد أن تقرأ أو تسمع لغير ما أبيح لها، وليت ذلك المباح وغير المباح مكتسب من القرآن الكريم أو السنة النبوية، إنه مكتسب من أقوال الملالي ومرجعيتهم في إيران. بل إن تلك العقليات وإن أرادت البحث عن المعلومة في غير مكان فسوف يتم قمعها لتستمر سياسة التجهيل.
وبطبيعة الحال ليس كل الشيعة كذلك، فكثير منهم ينتقد تلك الأحقاد التي تبثها المنابر المتعصبة للطائفية والتي تربي الفرد البسيط على الشعور بالظلم مما يخدم تلك الأيدولوجية والهوس الإيراني بامتلاك السلاح النووي فيجوع الفرد ويتعب ولكنه لا يفكر في الخروج على أقوال الملالي لأن ذلك قد يخرجه من العقيدة، لذلك عليه أن يتحمل وأن يهب نفسه لفداء مشروع امتلاك السلاح النووي حتى تكون إيران بزعمهم دولة متقدمة في مصاف الدول المتقدمة والقوية جداً وتستطيع فرض المعتقد في كل بلدان العالم بكل ما أوتيت من قوة. ولأنني لست بصدد الحديث عن ذلك المشروع النووي المريب فسوف أتحدث عن ما أنشأه ذلك المشروع من تعصب وطائفية مقيتة نمت الشعور بأن هناك تفرقة بين أتباع مذهب وآخر في الحقوق وأن هناك ظلم ومحسوبيات، مما يجعل الفرد رغم أخذه لحقوقه كاملة على استعداد للانفجار ثائراً متى ما رأى الملالي ضرورة ذلك، فضلاً عن أن مثل هذه الثورات الطائفية غير المبررة في مختلف البلدان الخليجية تحديداً ربما خدمت المشروع الإيراني بأن تشغل عين العالم عنهم لفترة من الزمن وتعطيل الحكومات الخليجية عن القيام بمهامهم وإشغالهم بتلك الثورات الطائفية غير المبررة إطلاقاً.
من هنا نستطيع أن نفهم الغرض من تلك السياسة الإيرانية مع الشعب والأتباع الموالين والتي خططت لتكوين جيل لا يرى أو يسمع أو يتكلم إلا بقول الملالي الذين هم في خدمة الدولة الإيرانية والدولة في خدمة المشروع النووي، فضيقوا على الشعب والأتباع حيز العلم والاستزادة من المعرفة، وحصروا ذلك في ما تبثه منابر المتعصبين منهم وكتبهم، فأصبح الكثير من البسطاء عاجزين فكرياً عن معرفة الحق من الباطل واتبعوا تلك الأقوال التي تهدف إلى نشر الفرقة والتعصب والطائفية.
وهذا الحيز الضيق من المعرفة وقوة السيطرة الحسية والعقلية على أولئك البسطاء لا يخدم اللحمة الوطنية في أي دولة كانت، حيث إن المتعصبين جعلوا من أولئك البسطاء درعاً لهم ليثوروا دون أن يعرفوا ماذا يريدون أو لماذا هم ثائرون، كل ما يعرفونه هو أنهم يشعرون بالظلم حتى وإن كان الفرد منهم يتمتع بكافة الحقوق ولا فرق بينه وبين آخر من المواطنين بسبب المذهب.