أهمس في أذن الهمة أن تتعلم من عصا الترحال التي كانت تتوكأ على صبره.. يتعطر المكان بالصمت، ثم تغني قهوتُه العابقة مُوشَّحاً من أُبوّة.. صوت قدميه وهما يرسمان في الأرض خطوطاً من حب يلونان الوقت بحنان غريب، وحب أكيد.. اللقاء الأول به كان مرْسماً ملوناً بالتشجيع.. قبض على راحتي وهزها قائلاً: أنتم المستقبل الذي انتظرناه، وأنتم الحاضر الذي سيبني أمجاد أحلامنا.. وحين تتلون أفكارك بألوان السواد، ويشيح عنك كل كبير في رتبته باسم الطبقية العلمية، ثم تمشي حبواً إلى فناء الانكسار، تتلقاك بسمته الوضاءة وتلقيك على صدرها عطفاً ورحمة، ومن لحظة كهذه وعلى ضوء نظرية التلقي فإنه يكسر أفق الانتظار، ويعطيك درساً بأن تكون إنساناً قبل أن تكون عالما، وبأن تضحي مربِّياً قبل أن تمسي متكبراً تطأ الآخرين بنظرات حداد. وما من إنسان تلتقي به إلا تحب منه وتكره إلا أمثال هذا الذي تحب منه البسمة المرسومة، والنظرة الحانية، والكلمة الطيبة، والحلوى! وما أدراك ما تلك التي تستقبلك في زاوية المكان فإن سألت عن صاحبها قيل لك إنه العيد اليومي الذي تُقبل على حبّه الأرواح، وتقبِّل رأسه أفواه عرفت أن للشموخ رجالاً لا يلبسون للمجد تاجاً إلا حين يتلبسهم يقين من التواضع، وما الأستاذ الدكتور: إبراهيم الفوزان إلا قائداً لكتيبة الحب. ولقد استصحبتُ أوصافاً كثيرة علَّها أن ترحل إلى كيانٍ متشكل من جمال ففكرت بالكرم فإذا هو ابن بجدته، وتأملت في الأبوَّة فإذا هي سربال له، ثم طفتُ في أرجاء كثيرة من أوصاف تتوكأ على منسأته ولم أجد وصفاً يليق بأمثاله إلا أن يكون «إنساناً» وحسبك بمعان تفيض بها كلمة كهذه.. وإني إذ أبثك هذا الحديث، وأصطفيك بتلك المشاعر، وأرسم لك هذه اللوحات، فإني أصنع ذلك كله تعبيراً عن حبٍّ لا ينطق به حبر، وعزفاً لأغنية كنتُ أهوى إنشادها كلما اصطحبتني إليك يد الحنان، فيكون السكوتُ أمامك سيّداً يعبر عني وما ذاك الصمت إلا جمالٌ في حرم الجمال.. ويا سيدي: إنني أخبرك أننا عابرون إلى حبك ولكن في كلام غير عابر ..!