كل مثقف يدرك معاناة المثقفين الأوائل من بلادنا فهم يطلبون العلم في زمن لا مكتبات منتشرة ولا مراكز أبحاث مبثوثة، ولا جامعات تجمع شتات المعرفة وقد أشرقت الصحافة السعودية ولمع الكتاب فيها مع قلة الصحفيين، والمنابع الفكرية، وضحالة المدد الإعلامي فنحن نجلّ هؤلاء ونقدر معاناتهم وننهل من إنجازهم ، وإنني أضم إلى هؤلاء الرعيل الأول من الباحثين الذين أضحوا بفعل كدحهم وسعيهم الحثيث للعلم أضحوا رواد البحث العلمي، ومن هؤلاء الصديق الأستاذ الدكتور ابراهيم الفوزان فهو الذي سجل إنجازه للأدب السعودي في مصر في رسالته ومناقشتها فقد حضرتها وقد سمعت كبار الأساتذة وهم يتهامسون كيف كان هذا الأدب لجزيرة العرب في غياب عن عاصمة الحضارة العربية القاهرة، وقد نال الدكتور درجة الامتياز على كتابه (الأدب الحجازي الحديث بين التقليد والجديد) ولأن رسالته جمعت تاريخ الأدب السعودية منذ توحيد البلاد ودار جلّها حول الشعر والشعراء فقد ضم كتابه الحركة الشعرية باتجاهاتها وضم كتابه ترجمة للشعراء السعوديين وهي ترجمات متكاملة ومن هنا فإن كتبه (الأدب الحجازي الحديث) و(والأدب الحديث بين العواد والقرشي) مصدر من مصادر الشعر السعودي أو قل إن كتبه رائدة وليس أدل على ذلك من تواجدها في مصادر ومراجع كل رسالة عن الأدب السعودي.
إنني ولقربي من الأستاذ الدكتور ابراهيم الفوزان استلهمت معاناته في جمع المادة من المبدعين والمؤلفين عن طريق المشافاة والانتظار عند أبواب منازلهم وقصورهم وفي مكاتبهم حتى يؤذن له فلا مراجع تروي ظمأ الباحث إلا عن طريق المشافاة. وهناك طريق آخر أشد صعوبة وقد عانيت منه وذقت مرارته بل هو أسبق إليه ذلك هو قراءة الصحف والبحث عن مكامنها وليس هذا فحسب فقراءتها وتصفحها الكامل لابدّ منه، وكذلك معاناة النقل وكتابة النص من الصحف فلا تصوير في ذلك الزمن.
إن مسيرة الدكتور الفوزان حافلة بالإنجاز العلمي فهو من أوائل الأساتذة السعوديين في اللغة والأدب فقد عرفته وأنا في مراحل الدراسة الجامعية الأخيرة شابّاً وسيماً أنيقاً يجول في ردهات الكلية المكونة من ممرات لا غير وهي تلك الردهات فكم أنجبت تلك الكلية و ذلك المكان الضيق من رجال علم وأدب وفكر. وقد عرفت معه في تلك المرحلة أستاذنا الجليل الدكتور محمد المفدى رئيس قسم اللغة لسنوات متعددة، وكذلك التحق بالكلية أستاذ الأجيال الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين رئيس قسم الأدب لسنوات طويلة والثلاثة لهم دورهم الكبير في كلية اللغة العربية وتلاميذهم في سائر مدن المملكة وإشرافهم على الرسائل نجم عنه البحوث الكثيرة التي عمت الألوان البحثية في الأدب.
إن الدكتور الفوزان يمثل أحد الأقطاب الرواد في كلية اللغة العربية فهو حاضر في قاعات المحاضرات ومحتضن لطلاب الدراسات العليا وهو له دوره في مجالس القسم وحواراته بل وصراعه أحياناً وله مكانته في الكلية فهو متواجد في مجالسها. وقد هيمن الفوزان على الألباب بلطفه ووده للجميع وببسمته التي تنبع من حسن نيته ولا نزكي على الله احدا إن خُلقه ورحابة صدره، وحسن حواره كل ذلك صير الفوزان ماثلاً في عقولنا وقلوبنا.
إن الفوزان رجل علم ومعرفة ورجل ادارة ورجل مبادئ وقيم ولعله تكتب عنه رسائل جامعية فهو أهل لذلك.
والدكتور الفوزان إداري يدير ويداري ومن طبيعته أن يعرض عن الإشكاليات التي تعرقل مسيرة الإدارة والطلاب بل يأخذ بيدهم وعلى يديه ييسر الله الأمر فكم من مواقف له مع طلبة العلم التي يشيدون بها في مجالسهم وعلى صفحات رسائلهم.
وأذكر أن المسؤولين في إدارة المعاهد العلمية رفضوا أن يعطوني إذن لدراسة الدكتوراه ، وهي لا تحتاج لتفرغ، ولا غياب عن العمل بل هي حاجز ضد مواصلة العلم حتى يومنا هذا، فالفيصل هو بالإنجاز العلمي وتجاوز مقابلاته ومناقشاته وقبول أبحاثه وقد كنت في دورة تربوية في كلية العلوم الاجتماعية وهو كان وكيلاً لها فصادف أن عرضت عليه طلب المساعدة فإذا هو يكتب أنه لا مانع من دراسته ويعطيني الورقة مباشرة وأعرضها على الدكتور الفاضل معيض العوفي عميد الكلية ويقبلها بلا تردد ومثل ذلك لا يخالف شرعاً وعقلاً ولا دين وكم من أعضاء هيئة التدريس في جامعات المملكة والجامعات الأخرى بهذه الدراسة مع ممارسة العمل وكثير منهم له مؤلفات وأبحاث قلّ من يماثله.
ومازال في الذاكرة عن الدكتور الفوزان الشيء الكثير أسأل الله له كل خير وطريق لما يرضي الله.