Saturday 13/12/2014 Issue 455 السبت 21 ,صفر 1436 العدد

من أخماتفا إلى ستالين!

ذاقت الشاعرة والأديبة الروسية المعروفة أنّا أخماتفا في حياتها شتى صنوف المعاناة والويلات، وخصوصاً فيما يتعلق بزوجيها وابنها اللذين اعتُقلا إبان الحكم السوفييتي، واتُّهما بالقيام بأعمال مناهضة للحكم القائم آنذاك. أما زوجها الأول فقد أُعدم في عام 1921، واعتُقل زوجها الثالث ثلاث مرات، ولقي حتفه فيما بعد في أحد معسكرات الاعتقال في عام 1953. وحياة ابنها لا تقل تعاسة؛ فقد قضى في السجون أكثر من عشر سنوات. عبَّرت أخماتفا عن لوعتها وكمدها على زوجَيْها وابنها (بشكل أساسي) في قصيدتها المشهورة «موسيقى قداس الموتى»، التي تعد إحدى أشهر القصائد الروسية. كتبت أخماتفا هذه القصيدة في الفترة من 1935 حتى 1940. ففي عام 1935 اعتُقل زوجها وابنها، وفي عام 1938 اعتُقل ابنها مرة أخرى. إلا أن معظم أجزاء القصيدة وأكثرها ألما كُتبت ابتداء من عام 1939. ما يميز هذه القصيدة أن كل حرف فيها كُتب بالدموع حزناً على أحبابها المعتقلين والمقتولين. وفضلاً عن ذلك، فإن ما يُكسب هذه القصيدة طابعاً خاصاً هو أنها كانت معبراً حقيقياً عن معاناة الآلاف ممن تعرضوا للاعتقال آنذاك. فعندما كانت أخماتفا تزور ابنها في السجن كانت ترى الكثير من أهالي المعتقلين هناك؛ فتتقاسم معهم الأحزان والآلام. وفي هذه الظروف العصيبة وُلدت هذه القصيدة.

إن هذه الأحداث المؤلمة التي وقعت لأعز الناس وأقربهم إليها سبَّبت لها جرحاً نفسياً غائراً وأمراضاً عضوية قاسية، كانت تجعلها طريحة الفراش لفترات طويلة. وكانت تعاني أيضاً تضييق السلطات عليها فيما يتعلق بنشر الأعمال الأدبية وطباعتها؛ فقد كانت أُمًّا وزوجة «لأعداء الشعب»، وهو اللقب الذي كان يطلق على كل من يعادي النظام آنذاك. وفضلاً عن ذلك، لم تكن أخماتفا على وفاق مع السلطة السوفييتية؛ فأخذ بعض المتنفذين في السلطة بمضايقتها واستعداء أصحاب القرار في السلطة عليها؛ فاتُّهمت باعتناق أفكار برجوازية، وأنها مناهضة للثورة؛ فمُنعت مؤلفاتها، وعانت التضييق الشديد.

لكن، ومع كل هذه المصاعب والنكبات المتواترات، فقد صمدت أنّا أخماتفا صمود الجبال، وأبدعت كثيراً من الأعمال الأدبية والشعرية التي تُعدُّ من عيون الأدب والشعر والكتابة. وكما يقال: يولد الإبداع من رحم المعاناة!

عندما اعتُقل زوجها وابنها قررت أن تتوجه برسالة إلى ستالين، تستعطفه فيها للإفراج عن شريك حياتها وفلذة كبدها.

تقول أنّا أخماتفا في رسالتها:

«يوسف فيساريانافيتش المبجل!

وإني إذ أعرف اهتمامكم البالغ بقوى البلاد الثقافية، وخصوصاً الكتّاب، فقد قررت أن أتوجه إليكم بهذه الرسالة. في 23 أكتوبر في مدينة ليننغراد اعتُقل زوجي نيكالاي نيكالايفتش (بروفيسور في أكاديمية الفنون) وابني ليف نيكالايفتش غوميليوف (طالب في جامعة ليننغراد الحكومية). يوسف فيساريانافيتش، إنني لا أعرف ما هي التهم الموجَّهة إليهما، لكنني أقسم لكم أنهما ليسا فاشيَّيْن ولا جاسوسَيْن ولا عضوَيْن في جمعيات مناهضة للثورة.

إنني أعيش في الاتحاد السوفييتي منذ بداية الثورة، ولم أفكر أبداً في ترك البلد الذي أرتبط به بعقلي وقلبي.

على الرغم من أن أشعاري لا تُطبع، وآراء النقاد تسبب لي كثيراً من اللحظات المريرة، إلا أنني لم أيئس، وواصلت العمل في ظروف مادية ومعنوية قاسية للغاية، وقد أنهيت عملاً عن بوشكين، والآخر في الطباعة.

إنني أعيش في ليننغراد وحيدة، ولهذا دائماً ما أمرض. إن اعتقال الشخصين الوحيدين القريبين مني وجَّه لي ضربة لم أعد أستطيع تحملها.

أرجوكم، يا يوسف فيساريانافيتش، أن تعيدوا لي زوجي وابني. وإنني على ثقة بأنه لن يندم أحدٌ على هذا الأمر أبداً.

انّا اخماتافا

1 نوفمبر 1935».

وبعد أن قرأ ستالين هذه الرسالة أمر بالإفراج عنهما.

د. بدر العكاش - أستاذ اللغة الروسية وعلم الترجمة المساعد - كلية اللغات والترجمة - جامعة الملك سعود - الرياض albadr15ru@yahoo.com