Saturday 13/12/2014 Issue 455 السبت 21 ,صفر 1436 العدد

العشق بعد الموت:

ليلى الأخيلية نموذجاً (3 ـ3)

تسير القافلة وتقطع الأميال، وليلى الأخيلية فيها لا تسير عن ذكرى توبة قيد أنملة، لأن القوس لباريها، والقلب لمحبوبه، فلا تنثال على القلب ذكريات غيره، ولا تنهال على الروح إلا مواقفه وحكاياته..

ورغم أن زوج ليلى الأخيلية بجانبها، يسير مسيرها في القافلة، إلا أن توبة ابن حمير يسكنها أكثر مما يسكن قبره، وهو أقرب إليها بعلاقة الحب أكثر مما قرّب هذا الزوج منها، ولو أن العشيق رحل بلا إياب، والزوج باقٍ بلا غياب، فإن العشق لا يؤمن بقوانين «البورصة»، ولا بأنظمة المصالح المشتركة!

واقترب الاختبار الذي سيكشف عن وجهٍ من أوجه العشق المذهل، الذي تخرّ له القلوب في رهبة، وتهوي له العقول في دهشة، وتظل الأفهام شاخصة في تفاصيلهِ.. المربكة، والمرعبة أحياناً!

بصدفةٍ، أم من دون صدفة، تمرّ القافلة الآن على أكمة عليها قبر.. سكنتهُ عظام توبة بن حمير، رأته ليلى قبلة الروحِ، ووجهة القلب، وبوصلة المشاعر، فصاحت في القافلة «قفي»، عندما قالت لزوجها «والله لا أبرح هذا المكان حتى أسلم على توبة»، إذ لم يكن الوقوف على مجرد قبر، وإنما كان الوقوف ـ بالنسبة لليلى ـ هو وقوف على مدينة زاخرة بالحياة !

ولمّا نزلت ليلى ووقفت على قبر توبة، قالت: السلام عليك يا توبة.. ..

ثم حولت وجهها إلى القوم فقالت

والله ما عرفت له كذبة قط قبل هذا.

قالوا: وكيف.

قالت: قد قال توبة:

ولو أن ليلى الأخيلية سلّمتْ

علي ودوني تربةٌ وصفائحُ

لسلمتُ تسليم البشاشة أو زقا

إليها صدى من جانب القبر صائحُ

عندها جاء الجواب لمّا فزّت بومة من جانب القبر، في وجه الجمل الذي كان يحمل ليلى، فوقعت بجانب قبر توبة، فماتت، فدفنت مكانها!

عبدالرحمن البكري - مكة المكرمة