Saturday 13/12/2014 Issue 455 السبت 21 ,صفر 1436 العدد

.... ولا أكثر!

التصحر التربوي!

ويحدث ذلك عندما تتناسى المؤسسات التربوية البرامج الإثرائية وتركّز على مقررات نمطية معزولة عن متطلبات الحياة المعاصرة غير مهتمة بتلبية حاجات الفرد الثقافية والاجتماعية والنفسية رغم تركيز الفكر التربوي على تفعيل كافة الأنشطة ورعايتها وربط المتعلمين ببرامجها وتحفيزهم للاستفادة منها.

وقد مرت حقبة من الزمن كانت فيها مؤسسات التربية حقلاً مناسباً للبرامج الإثرائية الثقافية والأدبية على وجه الخصوص، ثم مرت فترة سيطرت فيها فئة معينة على وقائع العمل، وتبنت مفاهيم وآليات وأنماط تفكير تدور حول نفسها بشكل تقليدي وتعيد تدوير منتجاتها وبرامجها وفق غايات جنت على المجتمع وشوهت صورة المؤسسة التربوية وأدانتها دراسات تبحث في اختطاف التربية وبرامجها والمنهج الخفي ونتائجه الوخيمة التي برع فيه فكر متطرف يجد أحياناً عقول الناشئة بيئة خصبة ومجالاً رحباً لبثّ السموم والمقاصد الغامضة.

سادت حينذاك أناشيد سوداوية لا هم لها سوى ذكر المقابر والأكفان والنهايات التعذيبية، ولم تصعد إلى خشبات المسرح التربوي إلا الجثث والدمى المرعبة والنوافذ الموصدة التي لا تطل إلا على بؤس لم تألفه حضارتها الإسلامية والعربية يتجافى مع قيم التسامح التربوي والإنساني، وينخر عقول التلاميذ أكثر مما تفعله مئات المقررات والكتب.

ربما لم يكن باستطاعة المؤسسة التربوية مواجهة الفئة المسيطرة أو إعادة رسم سياساتها في هذه البرامج بمعزل عن مسرح الظل المهيمن على كل المفاصل والتفاصيل فحجّمت البرامج، ولم تقم لها شأناً، وغيبت بعض الفعاليات لتغدو المباني التربوية بيئة غير جاذبة متصحرة التفاصيل، وربما لم تغب عمليات الهيمنة وغسل الأدمغة التي شهدتها الأنشطة والسيطرة على الأفئدة والعقول لأنها باختصار قد تنقل كل أدواتها وآلياتها إلى حجرات الدرس بكل يسر وسهولة تحت مظلة المقرر الفضفاضة وتطبيقات المنهج الخفي.

وأظن الوقت قد حان لتراجع الجهات التربوية التصحر الذي يسود فالأنشطة جزء رئيس من نمو العمل التعليمي ورهانه الحقيقي، وأخص بالذكر هنا البرامج الثقافية والأدبية كالمسرح والصحافة المدرسية والإذاعة والخطابة والمكتبة، وأن تصاغ أنظمة دقيقة تحد من هيمنة فئات محددة على الأنشطة وبرامجها، وتراجع المسابقات النمطية التي تجري سنوياً بشكل تقليدي يعيد فيه أبناء المدارس ترديد نصوص المقررات تحت رعاية معلمين لا يتجاوزون حدود الروتين بإشراف محكمين من غير المؤهلين ممن لا منجز لهم ولا تجارب ثقافية تؤهلهم لأداء عمليات التوجيه والفرز والاختيار.

أتذكر خبراً مفرحاً نشر قبل أشهر عن توقيع اتفاق بين نادي جدة الثقافي وإدارة تعليم جدة لاكتشاف الموهوبين في المجال الثقافي والأدبي، ورعايتهم، وتشجيعهم، وتقديم الدورات وورش العمل لهم، لكن الخبر بكل تفاصيله المفرحة ذهب طي النسيان!.

وهنا يجدر القول إن أكثر المبدعين والمثقفين ينتمون وظيفياً إلى وزارة التربية، ويحضرون خارج أسوارها بكل لياقة وإنتاجية وإبداع وتفاعل، ومهم جداً صياغة سؤال عميق عن أسباب غيابهم عن رسم البرامج والأنشطة الثقافية التربوية، أو من يسعى إلى تغييبهم، أو عدم الالتفات إليهم لصياغة سياسات الأنشطة وآليات تنفيذها وتقديم الورش التدريبية والمسابقات ورعاية الموهوبين؛ وذلك جزء أساسي من رسالة التربوي المثقف، ولا أعلم لماذا يغيب أبناء الوزارة المثقفون عن كثير من برامجها ونشاطاتها وصناعة واقعها ومستقبلها بعيداً عن القوالب النمطية والتقليد؟!.

محمد المنقري - جدة