Saturday 13/12/2014 Issue 455 السبت 21 ,صفر 1436 العدد

أزرق.....

حين نستخدم القلم الأخضر للكتابة في أيام الدراسة، كان ذاك يعني أن نصبح عرضةً لتهكم المدرسات وتتطوع بعضهن لتعدد لنا سلم الألوان بالترتيب: الأخضر للوزير والأسود للموجه والأحمر للمدرس والأزرق للطالب، ما يعني أن الأزرق الفاخر يأتي في نهاية السلسلة أو في أسفل الهرم السلطوي، ما يعني أن على أحلامنا أن تتدرج وفقًا لذلك السلم! ألم ترَ أن سندريلا في طريقها نحو تحقيق حلمها كانت ترتدي ثوبًا أزرق؟ وعلى سبيل الأحلام يقال إن رأيت أنك تفقد غرضًا بهذا اللون فإنك تفقد رضاك في هذه الدنيا، عليك منذ اليوم أن تتشبث بأزرقك إذًا.

يتحول هذا الأزرق إلى لون للخوف والرعب والموت لدى الرجل ذي اللحية الزرقاء الذي يقتل زوجاته -في قصة للأطفال كتبها شارل بيرو نشرت عام 1697- مثل شهريار، ثم يتزوج بفتاة جميلة يمنحها مفاتيح القصر ويحذرها من غرفة وحيدة، لكن الفضول قادها إلى فتح الغرفة واكتشاف جثث زوجاته السابقات، وكاد ذاك أن يأخذها إلى حتفها على يدي ذي اللحية الزرقاء، لولا تدخل شقيقيها في اللحظة الأخيرة!

وبرغم أن مقاييس الجمال لدى الكثيرين في كل أنحاء الأرض لا تزال تتأرجح بين الشعر الأشقر والبشرة الفاتحة والعينين الزرقاوين، حتى وإن لم تكن الملامح متناسقة، يكفي أن تكون هذه الثلاثة متوافرةً لينال حاملها لقب الوسامة والجمال، ومع ذلك فهم لا يعتبرون تحذيرهم من ذي العينين الزرقاوين المتهم بالحسد تناقضًا، بل قد يستعيرون لون عينه ليكون درعًا يصد إشعاعات عيون الحاسدين!

من الغريب أن يطلق على الزواحف ذوات الدم الأزرق البارد، فهذا يجعلها من ذوات النسب الملكي كما كان يعرف في أوروبا. ربما لأن نظراتها فيها شيءٌ من الفوقية والاشمئزاز من هذا العالم، ولو كانت المرايا أمرًا طبيعيًا في عالمها لانقرضت منذ زمن بعيد! وربما كان ذلك لأن العروق تظهر على جلدها كما كانت تظهر على بشرة النبلاء الذين لا يتعرضون لضوء الشمس وحرارتها كالطبقة الكادحة، ولكن ما أعرفه هو أن المكان الذي لا تصله الشمس قد ينمو فيه العفن، تخيل أن يكون لأولئك طبقةٌ من العفن الأزرق بدلاً من اللحى! لكن لا يمكن أن يكون بهذا السوء، فعفن البرتقال الأزرق -كما يقول كتاب العلوم- أو عفن الخبز، وكلاهما أزرق، هو الذي جعل فلمنج بالصدفة -مثل نيوتن- يكتشف البنسلين لينقذَ البشرية، كم هو كريمٌ هذا الأزرق! وربما يتناول الفرنسيون الجبنة الزرقاء تعبيرًا عن امتنانهم لهذا (العفن).

ليست هناك فاكهةٌ زرقاء، رغم ما يسمى بالتوت الأزرق الذي يميل إلى البنفسجي أكثر (وهو لونٌ ناتجٌ عن مزج الأحمر بالأزرق)، لكنّ تسميته بالتوت الأزرق تمنحه رشاقةً وملكيةً أكثر مما لو كان يدعى التوت البنفسجي! ومن بين كل الحيوانات التي تكتسي بالزرقة، يبقى توم هو القط الأزرق الوحيد الذي نبرر أخطاءه ونستلذ جميعًا بغبائه أو خبثه.

بثينة الإبراهيم - القاهرة