Saturday 13/12/2014 Issue 455 السبت 21 ,صفر 1436 العدد

هدية الموت للمبدع

كلما سمعت برحيل كاتب أو مؤلف أيا كانت جنسيته اتسعت دائرة فضولي تجاهه، وجريت للمكتبة أفتش عن نتاجه المكتوب وما يملك من مؤلفات لتصفحها والغوص في عوالمها وهو ما يوقعني مستقبلا في فخ التعلق بنهر فقد للتو قدرته على المزيد من التدفق والجريان بعد أن تكون نشأت قنطرة ملونة بينه وبين إبداعه وتولدت لديّ الرغبة للمزيد منه وهو ما يصيبني أحيانا بما يشبه حالة الظامئ اليائس من الوصول إلى الارتواء. وتثير عادة استكشاف نتاج العابرين للتو من بوابة الموت هذه استغرابي وهو ما يجعلني أتساءل عن سر تولد هذا الاهتمام المفاجئ وبالتالي هل ما أنا عليه من أمر طبيعي وينتاب الآخرين أم لا؟

والأمر نفسه يدفعني لتأمل أحوال البشر حالما يتناهى إليهم خبر رحيل أحدهم وكيف يتملكهم الاهتمام المفاجئ حياله ويتساءلون بشغف عن جزئيات كثيرة من حياته كانت في السابق لا تعني لهم شيئا، وكيف يتنامى شغف الأقربين للراحلين ويتمنى عدد غير قليل منهم لو كانت تسنت لهم فرصة إرضائه وقضاء المزيد من الأوقات برفقته.

إنها طبيعة البشر كما يبدو، وهي إدراك أهمية الشخوص وما يمثلون من قيمة إنسانية في حياتنا بعد رحيلهم عن عالمنا وهو الأمر ذاته أيضا الذي يدفعنا للتعلق بعربة المبدعين المغادرين ومحاولة التشبث بها بعد أن يكون قطار الحياة قد بلغ بهم المحطة الأخيرة.

وهنا يقفز السؤال المر، هل يحتاج المبدع أن يموت كي يدخل في دائرة اهتمام الكثيرين من أفراد ومؤسسات ودارسين وباحثين ونقاد وغيرهم؟ للأسف غالبا ما سنجد الإجابة على سؤال مثل هذا، نعم. فلا إبداع مهما ارتقى، ولا منجز مهما بلغ قد يدخل المبدع في دائرة الضوء ويمنحه الفرصة كي يعرف كما يستحق وبالتالي ينتشر إبداعه مثل الموت.

وهو ما يفرضه للأسف الواقع الذي يظل يطحن الإنسان ويستنزف طاقاته وقدراته دون أن يمنحه في المقابل غالبا ما يليق بإنسانيته وما يمتلكه من ثراء معرفي أو فني وإبداعي، إذ لا طريق في العادة كي يشتهر المبدع ويعرف ويلقى الاهتمام الذي يليق به وبما أنجز أقصر من الموت كما رأينا في حال العديد من الرسامين والمبدعين الذين ماتوا بعد معاناة مع العوز والحاجة في حين بيعت أعمالهم بعد رحيلهم ولا تزال بأرقام فلكية، وكم من كاتب مغمور تم اكتشاف قيمة ما كان يسطره بعد رحيله.

وليست هذه نظرة قاتمة كما قد يتصور البعض، ففي واقعنا الإنساني والعربي والمحلي الكثير من الشواهد الحية التي تتكفل الحياة بمنحنا إياها بسخاء، وعملية البرهنة على ذلك لا تتطلب أكثر من إلقاء نظرة عابرة على كافة المطبوعات ومواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة ليتفاجأ المتلقي بالكم الهائل من المواد التي تدور حول الكاتبة المصرية الراحلة رضوى عاشور تتناول أهم كتبها ولمحات من سيرتها الذاتية لتبدو الفرصة مواتية للكثير من القراء للتعرف عليها أكثر وعلى منجزها إذ أن من المغري حقا للمعرفة أن تحاط بعناوين شتى حول كاتب لا بد أن تقع في شرك أحد عناوينه.

وفي الجانب المحلي هناك هذه الأيام الندوة العلمية التي انعقدت في جامعة اليمامة حول الدكتور غازي القصيبي بعنوان «الشخصية والإنجازات»، تبعا لبرنامج كراسي البحث العلمي ـ»كرسي غازي القصيبي للدراسات الثقافية»، وهي خطوة حضارية تستحق الإشادة، تجاه شخصية رائدة عرفت بخدماتها الإنسانية الوطنية وإنجازاتها الأدبية والفكرية، لكنها متأخرة كالعادة وكانت ستكون أكثر وقعا وتأثيرا لو جاءت قبل رحيله ولكانت حملت عناوين عدة، وعدت تعبيرا عن التقدير والشكر لقامة أعطت الكثير، وكان تكريمها في قمة توهجها والاهتمام بمنتجها سيعطي للمبدعين المحبطين دفقة أمل بعد أن يروا في القصيبي نموذجا حيا لتقدير المبدع الفاعل.

وهو ما يجعل إطلاق جمعية الثقافة والفنون في جدة لجائزة باسم الكاتب عبدالمحسن القحطاني لفتة جيدة تجاه المبدع والإبداع وهي لفتة تستحق الإشادة والدعم، إذ أنه كما للمبدع واجبات تجاه مجتمعه له أيضا حقوق ومن أجدى هذه الحقوق أن يشعر بالجدوى والفاعلية والتقدير أثناء حياته.

شمس علي - الدمام