Saturday 13/12/2014 Issue 455 السبت 21 ,صفر 1436 العدد
13/12/2014

الجوق والسيمفوني!

نينوى

ثمة مقولة يرددها أهل مدينة الموصل في العراق، مدينة نينوى التاريخية، وهي ثاني أكبر مدن العراق وقعت تحت احتلال إرهابيي تنظيم داعش. والمقولة هي حين يُصاب الفرد بالقرف ويتوحّد مع نفسه ويفضّل الانزواء عن الحالة المجتمعية يقول «العن أبو الجوق من تحت ليفوق»! والمقصود بالجوق هو جوقة العازفين الموسيقية. وسبب ركون أهل الموصل للتوحد والانزواء هو نشاز الفرقة الموسيقية العازفة «الجوقة» التي تخرب السمع وتتلف الذائقة ويسود النشاز عزف العازفين، فترتبك أحوال المتلقين بسبب فوضى الجوقة ونشاز العزف.

عندما دخل التخت الشرقي عالم الموسيقى دخلت الأبواق ومكبرات الصوت في الساحات والصالات، فزادت نشاز الموسيقى نشازاً، وتحولت كلمة سيمفوني والفرقة السيمفونية إلى كلمة الجوقة. ولأن النشاز يسود موسيقى الجوقة، النشاز في العزف والنشاز في المكان والنشاز في تقاليد التلقي، فقد تم ترحيل تعبير الجوقة إلى الأحزاب والمؤسسات السياسية المصابة بالارتباك وعدم الانسجام في الأداء السياسي. فيقال جوقة السياسيين أو جوقة الأحزاب أو جوقة الوزراء، أي الوزراء النشاز غير المنسجمين في آرائهم وأدائهم السياسي!

هذا ما يقوله أهل مدينة نينوى التاريخية «الموصل»!

الجوق

والجوق أو الجوقة هي فرقة موسيقى التخت الشرقي في الشرق العربي، حيث الطبول والدنابك والدفوف والعود والنايات والكمنجات في الملاهي تتداخل وتتباعد وتنخفض وترتفع أصواتها، فيرتفع صوت نقر الدفوف وتنخفض النايات وترخو أوتار العود ويشتد وتر الكمنجة فتصبح الموسيقى نشازاً. تعددت في التخت الشرقي أشكال وأحجام الطبول وتوزعت في صالات الكابيريه ثم انتقلت إلى قنوات التلفزة الفضائية الحديثة لتقدّم العزف النشاز! وقد ساد عالم الموسيقى نغم الجوقة بديلاً عن صالات ومسارح دور الأوبرا وصالات الموسيقى السيمفونية.

السيمفوني

عندما ازدهرت الموسيقى في القرن الثامن العشر والتاسع عشر تشكلت الفرق السيمفونية وكتبت ملاحم موسيقية أذهلت الغرب، حين أنجبت البشرية أجمل ما في رحمها من الموسيقيين المبدعين ومؤلفي السيمفونيات الخالدة المستقاة حكاياتها من القصص الجميلة والأساطير والأحداث الكبيرة وأستقى «رمسكي كورساكوف» من ألف ليلة وليلة حكاية شهرزاد في أجمل سيفمونية قدمتها الحقبة الذهبية للموسيقى.

اختار عشاق الموسيقى ومبدعوها تعبير «سيمفوني» وهو مصطلح إغريقي يعني «الاتفاق» وكان يطلق على المعاهدات والاتفاقيات الدولية والاقتصادية والتجارية وهو يعني أيضاً «الانسجام» أي الهارموني. هذا المصطلح استعمله الموسيقيون العباقرة وصارت تسمى فرق العازفين الفرق السيمفونية أي فرق العزف المنسجم في أروع الحكايات والأساطير. وصار من النادر أو من المستحيل أن تسمع نغمة نشاز في وتر أو في جملة موسيقية مسموعة أو صامتة أثناء عزف السيمفونيات الموسيقية. وصارت السيمفونية شيئاً يشبه الصلوات في الكنائس في الأداء والتلقي. هو عالم ساحر يرتقي بالإنسان إلى أجمل حالاته وتجلياته.

بقيت السيمفونيات في العالم الآن متع نخبة النخبة، فيما كانت في الماضي متع النخب الإرستقراطية. الإرستقراطية في الثقافة من بين أرستقراطيات الطبقات والفئات الاجتماعية.

سيمفونية سلطنة عمان

اختارت فضائية سلطنة عمان فترة الليل لتقديم الموسيقى السيمفوني، حيث تأسست فرقة سيفمونية عمانية من شابات وشباب عمانيين بملابس الحشمة العربية وبتصميم أنيق لملابس العازفين، بإشراف موسيقار بريطاني يعيدون عزف السيمفونيات الخالدة في التاريخ الإنساني وبطريقة مدهشة. وهي ذائقة ترتقي بسلطنة عمان إلى مكانة هانئة ذكرتني بمقولة لأمير سلطنة عمان في إجتماعه بالفلاحين «إن منظر نخلة ذابلة لا يسر النظر».

منظر النخلة الذابلة في الحياة يشبه الوتر النشاز في سيمفونية الموسيقى!

تحية للفرقة السيمفونية العمانية التي يعزف فيها شابات وشباب أجمل السيمفونيات بانسجام يبعث الهدوء في النفس الإنسانية. ليت هذه الفضائية تجعل كل ليالينا وصباحاتنا وأماسينا انسجاماً! وسيكون لها يوماً بعد يوم جمهور من المعجبين يشكلون في الغد الآتي ظاهرة التلقي الصحية والصحيحة في حياتنا التي حولت «السيمفوني» إلى «جوقة» لا تقدّم لنا سوى اللحن النشاز الذي أطاح بمدينة نينوى التاريخ، أول مدينة لعنت نشاز الجوقة!

- هولندا k.h.sununu@gmail.com