في الوقت الذي تعنى فيه المؤسسة الثقافية في بلادنا بعموم المشهد الثقافي المحلي وإقامة الفعاليات له وتسخير كل الإمكانات التي من شأنها أن تخلق جواً ثقافياً صحياً وفاعلاً بشكل جاد وحقيقي، يلاحظ المراقب لعمل المؤسسة الثقافية أنها في تذبذب مستمر وملحوظ بشكل لا يخفى على متابع وربما يصل بنا الوصف إلى حد وصفه بالمنتكس إن أردنا أن نمعن في وصف الوضع وتشريحه، ونحن إذ نتحدث هنا عن المؤسسة الثقافية فنحن نتحدث عنها بشكل مفصل وبكافة فروعها الثقافية وتخصصاتها الوظيفية التي أنشئت هي لأجلها.
قد يمضي بنا الحوار للمنطقة التي نصل فيها للقول إنه لم يعد الوضع الراهن للثقافة بحاجة لمؤسسة لصناعته وتكوينه بل أصبح العالم مفتوحاً بما يكفي لجعل صفحة الفيس بوك أو التويتر لكل فاعل ثقافي في المشهد عبارة عن نادٍ أدبي مستقل، لكن نعود للقول إن فعالية المشهد دون الحاجة لهذه المؤسسات لا يعفيها من دورها المنوط بها الذي ربما ينتظره بعض متابعيها.
أحد أكثر الأسئلة استفزازاً في واقع الأمر لموضوع كهذا هو:
لماذا رغم الفتور الذي تمر به جل مؤسساتنا الثقافية طيلة الموسم الثقافي تكاد أيضاً تختفي في الإجازات الطويلة التي تمنحها الدولة لموظفيها لتكون هذه المؤسسات أول من يعلن البيات والاختباء عن المشهد مجدداً!
ألا يكفي أنها طيلة موسمها تغيب ويخبو اشتعالها وتنغمس في عراكاتها الداخلية التي تصرفها عن صناعة مشهد يستحق المتابعة؟
إن من أكثر الفترات التي يصبح من اللافت فيها غياب مؤسساتنا هي فترات الأعياد الرسمية, فهل تعجز مثلاً الكثير من الأندية الأدبية عن جمع مثقفي مناطقها في احتفالات معايدة داخل مقهى ثقافي, مع حفظ الخلاف واستمراريته لمن شاء أن يختلف مع المؤسسة, أو أن يتعارك مع رفاقه في المشهد, فالاجتماع في حد ذاته فعالية وصناعة والحوارات الجانبية من شأنها أن تفتح ألف قضية وملف وتغلق ألف خلاف وحرب, وحتى لا يتقاطع أحد مع فكرة هذه المادة التي تدعو للعمل المستمر والمتواصل بفكرة أخرى مفادها أن مثقفي المؤسسات هم بشر ولهم ارتباطاتهم الشخصية التي قد تحول دون أن يمنحوا حياتهم كاملة لهذا النادي أو لتلك الجمعية فالرد عليه من صلب اعتراضه بأنه ما دام أن الأمر قد أوكل إلى مجموعات فلن تعجز العقول والأفكار مع اختلافها وتباين قدراتها عن إيجاد فعاليات لا تحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد وفي ذات الوقت تترك أثراً في وجدان من يتابع ويشارك, لكن يبدو أننا بانتظار إفاقة ستطول.