بعد التوقف عن الكتابة في «الثقافية»، أعود إليها إنفاذاً لأمر العزيز أبي يزن، الذي ربما استسمن ورماً ليس فيه شحم، وفي هاجسي الكتابة عما أقدمت عليه مشكورة دارة الملك عبد العزيز عندما أخرجت قاموسها القيم الخاص بأدب وأدباء الوطن. ولا غرو في هذه الخطوة الألمعية لأستاذنا الدكتور فهد السماري الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز، الذي لا تستغرب منه المبادرات الوطنية، إذ إن هذا الإصدار المتميز من منجزات الدارة - وكل ما تنجزه متميز بطبيعة الحال - جاء في وقت نحن في أمس الحاجة إليه، وكان الأولى بإخراجه وزارة الثقافة والإعلام، ولكن ذلك لم يحدث للأسف؛ فسارعت الدارة إلى إخراجه وفاء منها للرموز الأدبية والفكرية والثقافية في بلادنا الغالية؛ إذ تتعدد فوائده التي ليس أقلها إعطاء الرأي العام الثقافي في الوطن العربي وفي خارجه فكرة عن صفوة المجتمع السعودي في مجال الأدب شعراً ونثراً، خاصة إذا تذكرنا ما قاله عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين عندما استمع إلى شعر الأستاذ حسن القرشي - يرحمهما الله - قبل أكثر من نصف قرن من أنه أحس بعبق الحجاز لأول مرة. وليس يشك أحد في أن قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية سوف يكون له أثره في التعريف بأدبائنا على نطاق واسع، وسوف يسهم بدوره في جعل القارئ العربي يسعى للاطلاع على ما أنتجوه وما سوف ينتجونه مستقبلاً من إبداع أدبي ورؤى فكرية، وإن كان شيء من ذلك قد حدث بقدر محدود لاحظته عندما كنت في النادي الأدبي في الباحة؛ إذ كانت تصلنا طلبات من أقاليم المغرب العربي ومن سوريا والبحرين وغيرها، من أجل الحصول على بعض كتب ودواوين أدبائنا، إلا أن إصدار الدارة سيوسع ويضاعف قاعدة الطلبات حتماً!!
ويبقى القول إن على الجهات المنظمة للمهرجانات والنشاطات الثقافية الكثيرة والمختلفة أن تعتمد على قاموس الأدب والأدباء المشار إليه أعلاه في التواصل مع الأسماء الواردة فيه؛ كي لا يكون للمحسوبية والشللية، اللتين تعدان من إفرازات الجهل أكثر من غيره، وسيطرت على كثير من النشاطات ردحاً من الزمن، بقية من الهيمنة المذمومة؛ ذلك أن تكافؤ الفرص أمر جوهري، لا يزهد فيه إلا من كره العدل والإنصاف. وإني لمتأكد من أن بعض من هم تحت كساء الأدب يلجؤون إلى تسول الدعوات، ويفلحون في أحيان في الحصول عليها، بل إني أحسب أن وزارة الثقافة والإعلام ستستفيد من إصدار الدارة في إيجاد قاعدة معلوماتية للأدباء السعوديين لأول مرة، تكون متاحة لأية جهة تريد الحصول عليها، وكذلك عليها أن تعمل بحيادية على إبراز عطاءاتهم الفكرية في قناتها الثقافية بلا انتقائية هي في الأصل موجودة!!
وإني أذهب إلى المطالبة بتحسين أوضاع أدباء الوطن؛ حتى لا يكونوا جنوداً مجهولين، خاصة إذا علمنا أن إمكاناتهم المادية متواضعة حد أن بعض مستفيدي الضمان الاجتماعي أفضل منهم مالياً. ولي قصيدة في هذا الجانب بدأتها بالقول:
يا ويل من أدركته حرفة الأدب
لا سيما عندنا في العالم العربي
فالأدباء هم الذين يعمقون الوعي والإدراك في أذهان الناس، وهم الذين يرتقون بالمفاهيم الشعبية، وحبذا لو تستفيد وزارة البلديات من قاموس الدارة في إطلاق أسماء من ضمهم بين دفتيه على بعض الشوارع التي سميت بأسماء أشخاص غير معروفين وغير مؤثرين؛ لما في ذلك من تقدير لأدوارهم؛ إذ ينبئ ذلك برعاية المستنيرين، ويدلل على عدم نسيانهم!!
وعلى الرغم من علو قيمة هذا الإصدار الثقافي الكبير الذي يحلو لي أن أصفه بـ»الإصدار المشروع من أجل المجموع»، إلا أنه آلمني ألا يكون للأديبين الأستاذ علي السلوك - يرحمه الله ـ صاحب مؤلفات «المعجم الجغرافي لبلاد غامد وزهران» و»غامد وزهران السكان والمكان» و»وثائق من التاريخ» و»موسوعة الشعر الشعبي في منطقة الباحة»، والدكتور أحمد قشاش صاحب «موسوعة النباتات في الجزيرة العربية وبعض الأقاليم العربية»، وهي موسوعة تجمع بين العلمي والثقافي، أي وجود في القاموس إياه؛ فذلك أولى بكثير من بعض الذين لم تزد ترجماتهم على ثلث صفحة. ولعلي لا أجانب الحقيقة عندما أحمّل أعضاء لجنة الإعداد من أبناء منطقة الباحة مسؤولية غياب السلوك والقشاش من القاموس، وبخاصة الرجل الغيور الذي عُرف بأمانته العلمية الصديق الدكتور معجب العدواني؛ فهو الأكثر قدرة على إعداد ترجمتين لهما؛ كي تتضمنهما الطبعات القادمة إن شاء الله!!
على أن شكر دارة الملك عبد العزيز واجب على كل من يهمه إصدارها القيم.. والله الملهم للصواب!!