مخطئ من يظن أن هذا الفضاء الافتراضي افتراضي!
أو أن العلاقات التي تنشأ من خلاله واهنة، فقد كنا في صفحات الفيس بوك مع الروائية السورية ابتسام تريسي وهي تطرز شجنها على أسر ابنها نور، كانت تنادي نور حلاق ابنها ونادينا معها، شاركناها الحزن والشجن وعندما عاد من أسره طارت قلوبنا فرحاً، كثيرون منا لم يلتقوا بابتسام ولم يسمعوا صوتها، حرفها فقط هو ما وصلهم لكننا كنا نعيش معها أزمة الفقد والعودة كما لو كنا في بيت واحد.
كانت الساحة السورية بكل تقاطعاتها ترتسم أمامنا من خلال تلك الشبكة من الأصدقاء السوريين الذين ينثرون عذاباتهم ويسمون الأشياء بأسمائها، وقبلها كانت الساحة المصرية تحتدم بأصوات الأصدقاء الذين نسميهم افتراضيين، لم يعد سراً أن تقرأ الشارع المصري بكل دفقه الحار والطازج بدءاً من الإطاحة بمبارك ووصولا للإطاحة بمرسي، ليس هناك أجهزة رسمية تلفق أو تجمل الحقائق، المواطن العربي كان محطة إعلامية حرة، من القاهرة للاسكندرية لكل مدينة مصرية كان ثمة صديق يكتب محللاً أو معلقاً أو ناقلاً للحدث.
وحتى على صعيد المشهد الإبداعي العربي، هذا الفضاء جمعنا بأسماء جميلة من قارة أخرى اقتربنا منهم أكثر وعرفنا أرواحهم، تعرفنا على أدبهم ولامسنا ذلك المناخ الأدبي الذي يعايشونه وقرأنا مشهدهم الإبداعي بشكل أكثر صدقاً من ورقة نقدية تلقى في مؤتمر وتطرح ما نعتقد أنه يمثلهم، تجرح وردة نهارنا عذابات الفقد لأصدقاء آخرين، حتى أننا لا نسمي مصابهم كيلا نتذكر ذلك الجرح الغائر الذي لم نعرف كيف نرفوه ونشفي صاحبه، نلمس رهافة حس هذا الصديق وننتشي لعبارة وصفية لصديق آخر، تغير صباحاتنا جملة لأحدهم وتشعل فتيل نقاشاتنا جملة لآخر، نختلف مع آخرين ونكره خواء أفئدتهم.
لكننا نعرفهم جيدا من خلال الكلمات، الكلمات هنا ليست مصمتة بل هي ضاجة بالأصوات ونعرف حتى زيفهم الذي يزوقونه بمجازات اللغة.
مخطئ من يظن أن الكلمات لا تفعل ذلك
كل ذلك يكشفه هذا الفضاء الافتراضي
أعرفك وتعرفني من خلال حبل اللغة المجدول هنا، هذا الحبل متصل بروحك ومتعالق مع قيمك، بل إن ما يكشفه هذا الفضاء الافتراضي فادح جدا، تقرأ أحيانا في ثرثراتهم ما يجعلك تجفل من الإنسان فيهم، هذا الفضاء الافتراضي تنزلق فيه قناعات يجتهدون في طمرها فيما عداه، قناعات تخص الأشياء البسيطة لكنها تعطي مؤشرا لكيف يفكرون.
هناك تكتلات جميلة لثلة من الصادقين، تنساب من بين أرواحهم صباحات مورقة بالصدق، ترفعك عاليا حتى ترى هذا الكون أجمل، تقرأهم فترى قلوبهم، تلمسها وتصيبك عدوى الحقيقة، الحقيقة التي يكتبونها كما هي، تبتهج بهذا الاحتفاء بالحقيقة حتى لو كان ما يصفونه شديد المرارة لكنه حقيقي وجدير بالفرح.
الفيس بوك واحة صغيرة بعيدة عن مناطق الصراع المكتظة في فضاءات أخرى، هنا أنت في ركنك الخاص لديك خاصية الحجب والمنع، التخصيص والتعميم، لا أحد يتطفل على عالمك بضغطة زر تنفيه وتمسح ماكتب من سوء، بضغطة أخرى تعدل ماكتبت وتضيف أو تلغي.
الفيس بوك نسخة مطورة للمدونات التي ينتقي فيها الكاتب ما يود أن يقوله مع إمكانية أن تجعل ذلك أكثر حميمية بأعداد الأصدقاء التي تلتف حولك قارئة إما مؤيدة أو مناقشة أو مصفقة بضغطة لايك.