يبدو من اللافت إصرار عدد غير قليل من الشباب السعودي على محاولة الإسهام في تشييد صناعة محلية للسينما رغم غياب المكونات الأساسية اللازمة لمثل هذه الصناعة، فلا معاهد أو أكاديميات يمكنها المساعدة في تعزيز مهارات هؤلاء الشباب وصقلها، ولا دور سينما للعرض لعرض نتاجهم، ولا مؤسسات تتولى رعاية هذه الطاقات والعمل على دعمها.
ورغم ذلك فلدى هؤلاء الشباب رصيد من العزيمة والإصرار يدهشك بالفعل، وهو ما يدفعهم لاجتراح كل هذه المحاولات. فتأتي مشاركة الفيلم السعوي «نملة آدم»، مثلاً في مهرجان كان السينمائي الدولي فئة الأفلام القصيرة، دليل على ما يمتلك هؤلاء الشباب من إمكانيات وطاقات خلاَّقة، ورغبة أكيدة في تحقيق الذات والاشتغال على صناعة الحلم وتحويله إلى واقع رغم كل ما يكتنف مشواره من صعوبات وعراقيل تواجه كثير من الشباب السعودي الذي اختار لنفسه هذا الطريق وقرر السير فيه دون لوحات إرشاد أو محطات للدعم والتزوّد بالطاقة.
وتدور فكرة فيلم «نملة آدم»، وهو من بطولة وسيناريو وإخراج مهنا عبدالله، حول قدرة الإنسان على التكيف مع الظروف القاهرة التي تضطره لها الحياة وقدرته أيضاً على التآلف والبحث عن سلوى حتى في أضعف الكائنات وهي النملة التي وجد فيها بطل الفيلم «آدم» القابع بين جدران زنزانة خانقة، ما يمكن ألا يجده المرء في إنسان مثله.
وقد كان أول عرض لهذا الفيلم في جمعية الثقافة والفنون في الدمام، وبعدها انطلق للمشاركة في مسابقة «الفيلم القصير»، في مهرجان مسقط السينمائي الدولي، كما حظي الفيلم بالعرض في ركن الفيلم القصير لمهرجان كان السينمائي الدولي في فرنسا، وشارك قبل أيام قليلة فقط في ملتقى «ظفار»، الأول للفيلم العربي الذي أقيم في صلالة، كما يشارك مؤخراً في مسابقة «الأفلام القصيرة»، لمهرجان بيروت السينمائي الدولي الذي يُقام في الفترة من (1-9 أكتوبر).
كل هذه المنجزات التي حققها الفيلم الذي استغرق العمل عليه نحو عامين تشي بمقدار الجهد الذي بذل لإنجاحه رغم غياب الدعم وتواضع الإمكانيات، وتحمل القائمين عليه كافة المسؤوليات من إنتاج وتسويق ومشاركة في المسابقات والمهرجانات الدولية رغبة في الوقوف على مدى النجاح فيما أنجزوه ولخوض المنافسة على أمل الفوز بإحدى الجوائز.
ومن تجارب الشباب السعودي الذي أثبت قدرته على الإنجاز مع غياب الدعم هناك أيضاً تجربة المخرج السعودي عبدالله آل عياف والذي أتيحت له في مارس الماضي المشاركة في الدورة الأولى لمهرجان الفيلم الخليجي الذي أقامه معهد العالم العربي بفرنسا بفيلمه الذي تولى تأليفه وإخراجه «عايش»، وهو من بطولة الممثل السعودي إبراهيم الحساوي وقد كان آل عياف سعيداً لأنه يعتقد بأن عرض فيلمه هناك سيعطي الآخر فكرة جيدة عنا.
وتأتي فكرة الفيلم لتحكي فلسفة الحياة والموت عبر شخصية حارس لثلاجة الموتى يقوده تغيب زميله في المستشفى إلى أخذ مكانه حارساً ولكن في قسم المواليد الجدد ليكتشف حينها المفارقة. وقد حقق الفيلم قبل أربع سنوات المرتبة الأولى كأفضل فيلم خليجي قصير في مهرجان الخليج السينمائي في دورته الثالثة في دبي.
وللمعيوف تجارب أخرى ومنها كتابة سيناريو فيلم: «كتاب الرمال»، كما أن في رصيد أعماله أيضاً فيلمين قصيرين هما «مغادره» و»سرقه مدروسة»، ويعمل حالياً على سيناريو لفيلمين روائيين أحدهما طويل والآخر قصير كما أعلن.
وفي نفس السياق هناك أيضاً تجربة الشاب أحمد بن حمضة الذي بدأ أول خطواته في مشواره السينمائي بفيلم «حجر»، والذي كتب له السيناريو وتولى إخراجه بنفسه وقد تلقى الدعم عليه من مهرجان دبي السينمائي ما يعني بأن ما قام به بن حمضة لفت انتباه القائمين على مهرجان دبي السينمائي في حين عجزت مؤسساتنا الثقافية عن ملاحظة ما يستحق الدعم لديه.
وقد وصف في حوار معه الفيلم بأنه» كان فرصة أعبر فيها عن نفسي وأطرح فيها ما يدور في داخلي، كان أمل وحلم تحقق بأن اشاهد ما كنت أبنيه في ذهني وقد تجسد على أرض الواقع... أتمنى بالتأكيد أن يُتاح لفيلمي المشاركة في ملتقيات ومهرجانات داخلية ودولية وهو حلم آخر أتمنى أن يتجسد كذلك على أرض الواقع». واصفاً التجربة بأنها»تحد».
وتدور قصة فيلمه حول حكاية رجل يعيش حياته بنمطية حادة تصل إلى حد الروتين القاتل والرتابة المملة، فلا شيء يتحرك في بركة حياته الراكدة، حتى يحصل له فجأة ما يجعله يعيد حساباته ويسائل نفسه حول قيمة حياته ومعنى وجوده.
وأخيراً هناك أيضاً ما عد انتصاراً جديداً يجير لصالح هؤلاء الشباب المكافح، وهو حصول المخرجة السعودية ثريا آبار علي جائزة مهرجان الأفلام المستقلة في مدينة لوس انجلوس الأمريكية عن فيلمها الروائي الطويل «The Tube»، وهو من إنتاج سعودي نمساوي مشترك بين ثريا وشركة آرت ديلوكس. والجائزة لا تعد الأولى في رصيد ثريا فقد نالت جوائز عدة على المستوى العالمي كما درست السينما في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة.
وفي الختام أتساءل بماذا كنا سنخرج في مضمار الأعمال السينمائية لو توفر الدعم الكافي لهذه الطاقات على كل الأصعدة، وماذا كان سيحقق بعض شبابنا الطموح في هذه الصناعة؟