القسمة المشهورة للكلم عند جمهور النحويين ثلاثية: اسم وفعل وحرف، وقد أجمل النحوي العبقري ابن مالك المقابلة بين الكلام والكلم في قوله:
كلامنا لفظ مفيد كاستقم،
اسم وفعل ثم حرف الكلم
حاول النحويون جاهدين تلمس علامات تميز كل قسم من أقسام الكلم؛ ولكن النحويين وجدوا من الكلم ما يتسم بسمات مشتركة، ولذلك وقع الخلاف في تصنيفها، فنجد منهم من صنف (ليس) في الأفعال ومنهم من صنفها في الحروف، وكذلك نجد من صنف (مع) في الظروف ومنهم من صنفها في الحروف، ولهذا أيضًا نجد المرادي في كتابه (الجنى الداني في حروف المعاني) يعالج في كتابه جملة من الألفاظ منها (مع، عدا، عسى، ليس، منذ، متى، نحن وهما وهنّ، حاشا، مهما) وكلها وقع الخلاف في تصنيفها فعدت حروفًا أو غير حروف.
وكان يمكن أن يخرج النحويون من مشكلة الخلاف، على المستوى التعليمي، بتجاوز السمات الصرفية والنحوية، أي أن ينظر إلى وظيفة اللفظ في الجملة بغض الطرف عن تلك السمات اللفظية، فتصنف (ليس) في حروف النفي بغض الطرف عن اتصال الضمائر بها أو ظهور النصب في الخبر كما عدت (أنّ) في الحروف على الرغم من نصبها ما بعدها نصبًا جعل النحويين يزعمون حملها على الفعل منذ كان العمل اللفظي له في الأصل. وبهذا يمكن الذهاب مع الكوفيين في عدهم (أمامك وخلفك وفوقك وتحتك) وما شابهها من جملة حروف الجر(1)، ولا نكون بحاجة إلى القول باسمية (مع) المتحركة العين (معَكم) وحرفيتها إن سكنت عينها (معْكم)، فهي في الحالين حرف عطف، فإن نُصبت ونوّنت فهي حال (جاء الرجلان معًا، أي: مُصطحبين)، و(عدا) حرف استثناء نصب أو جرّ: (جاء الطلاب عدا زيدًا، أو عدا زيدٍ) وإن كان الجر بها لُغيّة من الأولى إهمالها، و(منذ) حرف جرّ رُفع الاسم بعده أو جُرّ: (ما رأيته منذ يومين أو منذ يومان) (2)، و(عسى) حرف للرجاء أو الإشفاق، نحو قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)[البقرة-216] وهي بهذا تخرج من أخوات كاد، وأما (متى) فحرف استفهام كسائر ما يستفهم به، وقد جاءت حرف جرّ في إحدى لغات العرب بمعنى (مِن). وأما ضمائر الفصل فالقول بحرفيتها ليس بشيء والأولى اطراحه. وأما (حاشا) فحرف استثناء، وأما (مهما) فكغيرها مما يشترط به حرف شرط.
ولعلنا إن احتكمنا إلى وظيفة اللفظ في الجملة تبين لنا تصنيفه النحوي أي وظيفته في التركيب لا يصرفنا عن ذلك تصرف اللفظ أو بنيته الصرفية.
** ** **
(1) قال ابن السراج (الأصول في النحو، 1: 204): «ويخلطون الأسماء بالحروف فيقولون: حروف الخفض: أمام وقدام وخلف وقبل وبعد وتلقاء وتجاه وحذاء وإزاء ووراء ممدودات ومع وعن وفي وعلى ومن وإلى وبين ودون وعند وتحت وفوق وقباله وحيال وقبل وشطر وقرب ووسَطَ ووسْطَ ومِثل ومَثَلَ وسوى وسواء ممدودة ومتى في معنى وَسْطَ والباء الزائدة والكاف الزائدة وحول وحوالي وأجْلٌ وإجلٌ وإجلى مقصورٌ وجَلَل وجِلالٌ في معناها وحذاء ممدود ومقصور وبَدْل وَبدَلٌ ...»
(2) انظر المجلة الثقافية، العدد 268، ص7.