Saturday 13/09/2014 Issue 445 السبت 18 ,ذو القعدة 1435 العدد

وتم العناق..

الإقصاء على سبيل الإقصاء

الإبداع لا يتعلق بالكتابة الأدبية فحسب، وإنما يشمل مساحة كبيرة من الأمور التي يبدع فيها الإنسان سواء على المستوى الأدبي الإبداعي أو على المستوى الأدبي الأدائي في الإلقاء أو في مجالات أخرى؛ كالفن التشكيلي والفن الموسيقي والفن في مجال النحت والأعمال اليدوية، وهذه كلها فنون يبدع فيها الإنسان، ويطلق عليه مبدعاً حتى لو تجاوزنا الأمر انه مبدع في مهارة معينة أو لعبة معينة أو أي مجال آخر، ولكن كلمة المبدع شاعت في الوسط الأدبي أكثر من غيرها.. فالفنان مبدع والمسرحي مبدع وكل هؤلاء مبدعون، ولكن هذا الإبداع يجرنا إلى أمر آخر ربما نقيض له وهو الإقصاء.. وأن هناك من يقصي هذا الإبداع، وهناك من يقصي هذا المبدع، ليس لسبب محدد، وربما لا تعرف ما هو السبب، ولكن هذا المقصي أو القاصي يضع لهذا المبدع أسبابا وهمية ربما لا تمت إلى الحقيقة بصلة،كل هذا يصب في إطار الساحة الإبداعية أيا كان مجالها فيوجد فيها تناقضات، ويوجد فيها ألوان سوداء وبيضاء ورمادية أيضا ولا غرابة أن تكون هذه الساحة مليئة بالأشخاص الحاقدين.

فالمبدع ربما لكونه مبدعا يتعرض إلى إشكاليات أخرى والى معارضات كثيرة فهذه ضريبة..ضريبة المبدع.. فالمبدع يجب أن يتحمل مثل هذه السهام أو مثل هذه الاقصاءات، التي يتعرض لها أو يصاب بمثل أو ما يشابه هذه السهام التي يرمى بها وأحيانا يكون الرمي إلى أمور شخصية.. عموما المبدع يهتم بأمرين : أولهما هو الإصرارعلى إبداعه والتطور فيه والتعمق والبحث فيه والبحث عن سبل وطرق المواصلة فيه والتجدد والاستمرارية فيه وهذا الأمر يحتاج إلى دربة وطول نفس ويبقى نفس حياة بالنسبة للمبدعة، وثانيهما يجب أن يغفل ويتغافل عمن يرميه بالسهام وإن كان هذا الرمي في غير محله.. يجب ألا يسمع ولايرى ولا يقرأ، ولا أقصد من هذه الأمور أن يكون مغفلا لا، ولكن يجب عليه ألا يعيرها أي اهتمام بل يأخذها كنقد إيجابي بعيداً عن السلبية، وان كانت سلبية فليوظفها في أمور تدفعه إلى التعلق أكثر ومقاومة ومجارات الوسط الذي يعيش فيه، فكثير من المبدعين خدمتهم هذه السهام وهذه الاقصاءات وبالتالي نجحوا وبرقت أسماؤهم في الساحة الإبداعية والفنية وغيرها، ولاسيما إن الوسط الثقافي تحديداً والوسط الأدبي مليء بالغث والسمين، وهذا لا يجهله متتبع وقارئ ومتذوق، وهذا طبيعي في كل المجالات، وكل الساحات الحياتية ؛ أيا كان مجالها فهناك تفاوت فليس كل الشعراء كالمتنبي وجاسم الصحيح والجواهري ومحمود درويش، وليس الآخرون يتمثلون في شخص معين فهناك تفاوت بين المبدعين، وهنا يكمن الإبداع ويكمن الجمال ويكمن التذوق ويكون هناك مساحة كبيرة للنقد والمقارنة والدراسة..أتكلم بهذا الوصف لكون الساحة تحمل هذه الدرجات بين المثقفين والمبدعين وهذا لا يجهله إنسان أيا كانت درجة ثقافته وتذوقه في مجالات الإبداع والفنون الإنسانية، عموما الساحة الإبداعية مليئة بالنتاج وعلى المتلقي ان يميز بين هذا الإبداع وذاك..بين الأصيل والمزيف..والتنوع في الذوق يعطي التوالد في المبدعين والإبداع، فما يجده الشخص جميلا قد يراه الآخرخلاف ذلك، وهنا يبدأ التفاوت والفروقات الإبداعية؛ شريطة ألا يُقصى هذا المبدع أو ذاك، وألا يتهم ولا يرمي بالسهام غيره، بل يناقش مناقشة نقدية تثري الساحة الإبداعية، ولعل الكثير من متلقينا ومبدعينا ومتذوقينا يسيرون في هذا النهج إلا ما شذ مهم، وهم القلة القليل الذي شغلهم الشاغل هو إقصاء الآخر بسبب أو بدون سبب ولعلهم لا يحملون أسبابا معينة، ولكن الإقصاء من أجل الإقصاء فحب.

ومع هذا فأنا ازكي الكثير وأميل إلى تزكية الكثيرين في وسطنا الإبداعي السعودي وإنهم إن شاء الله بعيدون عن هذه الصفات، التي ربما لا نتردد أن نقول: إنها صفات ذميمة فساحتنا الأدبية والثقافية تشهد بوجود أسماء مبدعين متميزين ومتفاوتين في التميز.

فبطبيعة الحال الإبداع يرافقه النقد الذي يفرز ما هو غث وما هو سمين، وما أكثر السمين في وسطنا الإبداعي المحلي.

حسن علي البطران - الأحساء Albatran151@gmail.com