وهو الذي دأبت على إعداده ونشره مؤسسة الفكر العربي الرائدة في العمل رغم حداثة عمرها، لكنها استطاعت أن تهدي الساحة الثقافية والمعرفية جملة من المشروعات والمنتجات المختلفة حققت بها سبقًا في هذه المجالات، وإن لم يحظ بعضها بما يستحقُّه من عناية واهتمام الساحة العربيَّة ومؤسساتها الثقافية المتنوعة.
التقرير صدرت منه ستة أجزاء كان آخرها عام 2013 وهو وفق رئيس المؤسسة التقرير العربي الأول الذي يرصد الحراك الثقافي على مستوى الدول العربيَّة وتحليله وتشخيصه للتعرف على حجم الإنجاز، والوقوف على مواطن القصور، وتقييم التطوّر الحاصل في آليات صناعة الثقافة ومخرجاتها، ثمَّ طرح النتائج على الساحة وبين يدي أصحاب القرار الثقافي.
ويؤكد التقرير الصلات الوثيقة بين الثقافة والتنمية الإنسانيَّة بمفهومها الشامل، وفيه عدَّة ملفات منها: المعلوماتية، التَّعليم العالي، الخطاب الثقافي في وسائل الإعلام، الإبداع، الحصاد الفكري السنوي، حركة التأليف والنشر، التواصل الثقافي العربي عبر الإنترنت.
صحيح أن الساحة الثقافية تضج بكثير من الدراسات والمراجعات التي تتأمل المشهد الثقافي، وتقرأ معطياته، وتتنبأ بمستقبله، ويهيمن على كثير منها نظرات سوداوية معتمة جرّاء ما يجري على أرض الواقع، ويمعن جزء آخر منها في جلد الذات، أو نقد الذات إن أردنا تجميل العبارات قليلاً، إلا أن هذا التقرير لا يتكئ على العبارات الإنشائية بل يتولى عدَّة مهمات مثل الرصد والتشخيص واعتماد الأرقام والإحصاءات وتوثيقها وصولاً إلى مجموعة من النتائج تدل على الواقع، رغم الاعتراف بصعوبة الحصول على المعلومات والأرقام في عالمنا العربي، ففي جانب واحد مثل «حركة التأليف والنشر» يقدم إجابات حول عدَّة محاور منها: العوامل المؤثِّرة في توجُّهات القراء، والعادات القرائية والكتاب المفضلين، ومشكلات النشر ومضمونه، والموضوعات الأكثر جذبًا، وتحولات النشر إلى البيئة الإلكترونية.
أسدى التقرير خدمات جليلة للقطاعات الثقافية لكنني أشك في مدى وعيها واحتفائها بهد المنجز الرائع الذي لو تولت هذه القطاعات إعداده والإنفاق عليه لقدمت ملايين الريالات لأن هذا النوع من العمل الإحصائي الاستقصائي مكلف ويحتاج إلى فرق عمل ومستشارين ومحللين في ظلِّ ندرة المعلومة وصعوبة الحصول عليها في عالمنا العربي.
وبالرغم من كل ذلك لا أعرف مؤسسة ثقافية عقدت ندوة حول التقرير، أو قدّرت ما أسداه التقرير لها، ولعل السبب يكمن في سيادة الارتجالية في أعمال هذه القطاعات وولعها بالطارئ من الإنتاج وغياب الخطط الطويلة، أو القصيرة، وعدم الإعلان عنها، وارتهانها للإنشائية والعمل وفق التساهيل وكثير من المؤسسات الثقافية يقوم عليها غير المتفرغين، وليس لديهم متسع لإقرار الخطط، أو رسم البرامج، أو مراجعة الدراسات والاهتداء بما خلصت إليه من نتائج، وهي مشكلة تتصل بمشكلة البحث العلمي في الوطن العربي، وقد تأخرت جامعات عربيَّة عريقة في مبانيها وبرامجها لأن البحث العلمي لا يحظى بقدر وافر من اهتمامها ومصروفاتها، والمؤسسات الثقافية يهيمن عليها منذ فترة أكاديميون، ولا غرابة حين ينقلون إليها جملة من علل المؤسسات الأكاديمية التي كشف تقرير التنمية الثقافية السادس أجزاء أخرى من ترهلها ووعثائها.
يبدو لي أن على المؤسسات والقطاعات الثقافية أن تعيد النظر في هذا التقرير فتتأمله بحق إن كانت لديها نية العمل الجاد وتجاوز أخطاء الماضي والراهن لتعمل عملاً حقيقيًّا يليق بالعصر ومتطلباته، وتحدِّياته أيضًا.