للنص الرقمي خصوصية تختلف عن النص الشفاهي أو المقروء من خلال مدونة، إذ إنه يتم التعامل معه من ناحية التلقي بشكل مباشر وآني، ويتم التعليق عليه من العديد من القراء وأحيانا يكون مبدع النص قارئا لنصه، وقد يختلف التعليق عليه من القراء تبعًا لاختلاف مشاربهم وميولهم وتخصصاتهم، وهو في هذا يختلف عن النص المتلقى عن مدونة؛ لأن النص الأخير غالبًا ما يتم التعامل معه من خلال متخصصين في المجال النقدي واللغوي، وهذا بلا شك يفيد النص من ناحية التعامل المنهجي معه؛ لكن رواد هذا القسم قلة إذا ما قورنوا بالذين يتلقون النص الرقمي على صفحات التواصل الاجتماعي، وذلك أن النص الرقمي يكون فضاء متاحًا لشرائح مختلفة المشارب والتناول والتعامل مع النص، والقلة منهم هي التي تتعامل مع هذا بأدوات الناقد الطبيعية، وسوف نعرض هنا نصًّا حديثا لأستاذنا الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف أستاذ النحو والصرف والعروض بجامعة القاهرة، نشره بتاريخ 25-8-2014م على صفحته الفيس بوك، ونحاول أن نعرض معه طائفة من التعليقات التي سجلها رواد صفحته، لنظهر مدى تفاعل القارئ مع النص الإلكتروني.
ونود الإشارة أن مبدع النص – غالبا- ما يكون طرفا في النقد الإلكتروني أو التعليقات التي ترد على نصه مما يمثل تفاعلا آنيًّا مع النص وصاحبه، وهذا بلا شك يغيب عن المدونات المكتوبة التي يُفتقد فيها المبدع، ونحن هنا نختلف مع الدكتور سعيد يقطين في عدم تفرقته بين النص الورقي والنص الإلكتروني من حيث التلقي حيث يفترض يقطين أن كل نص ورقي يمكن تحويله بسهولة إلى نص إلكتروني، وهذا صحيح، لكن الاختلاف الذي نمسه هنا هو تفاعل مبدع النص بشكل مباشر وآني مع الذين يعلقون على النص الرقمي، فأحيانا يتدخل مبدع النص بتصويب خطأ من معلق على النص، أو التعليق على معلق بالشرح والتفسير، كما حدث مع إحدى المعلقات التي علقت على النص باقتباس جزء منه ووضعت (إن) مكان (إذ) في بداية النص، وكان ردها أيضا ظريفا عندما اعتذرت عن هذا الخطأ أنهاكانت تقرأ النص بقلبها فلم تفرق عينها بين (إذ) و(إن)، وهذا نمط جديد من القراءة وهو قراءة النص بالقلب، دون الحاسة التي خصصت للقراءة، ويعود هذا النمط من القراءة لقوة العلاقة بين النص والمتلقي والمبدع، وليس خافيا أن أغلب المعلقين على النص هم من تلامذة أستاذنا الدكتور محمد حماسة، أو من تتلمذ على كتبه ومقالاته بشكل غير مباشر.
وأحيانا تكون التعليقات في اتجاه الإعجاب دون التعليق عليه بشكل نقدي يقف على جانب الإبداع فيها، ويتم في هذه الحالة اقتباس بيت أو بيتين أو عدة أبيات مست وجدان القارئ فتفاعل معها شعوريًّا بقوله مثلا (الله الله الله ) مكتفيا بتسجيل إعجابه.
ولكن هناك بعض المتخصصين علقوا على النص بشكل نقدي واضح، كما فعل الدكتور محمد متولي حين قال :» قصيدة حب مليئة بالحركة نابضة الحياة «كل شيء في القرار يهوي ويطفو»! فهي بحر من المشاعر، قافيتها شاطئ وطيء يرسو عليه الموج هادئا من غير ارتطام، وكأنه يلتمس شيئا من الراحة والدعة، ثم ينسحب إلى القرار ثم يعود مناضلا يسترضي الحبيب، ذلك الجالس على الشاطئ ينظر في دلال سعيدا بتتابع قبلات الموج العاشق؛ وذلك في كل بيت..
ما أجمل تلك القافية البديعة الهامسة التي تكاد تسمع فيها صوت البحر.» ثم يختم تعليقه باقتباس بيت من النص يؤكد فيه انتماءه لأستاذه والسير على خطاه (كل شيء آثار خطوك يقفو؟).
وكذا تعليق الدكتور الناقد عماد حسيب (كتبت فأبدعت أستاذنا الجليل إننا أمام رائعة من روائع الشعر حسن بدؤها ورق ختامها واختير لفظها وقافيتها بتمرس ودقة، أما عن المعنى فقد أثارت في نفسي شجونا وألقتني في روضة المحبين دمت مبدعا متألقا) فهو تعليق من متخصص قرأ النص وأوجز في التعليق عليه، فتحدث عن مطلع النص من حيث بهائه، وعن خاتمته من حيث رقتها، وحسن اختيار الألفاظ ودقتها، وعن أهمية المعنى في النص.
وأحيانا بعض القراء يستنطق النص بما لا يعنيه الشاعركما فعل الدكتور أحمد بلال عندما علق على النص قائلا) دمت مبدعـًا يا أستاذنا، غير أنّ هذه الحبيبة طالما جفتنا حتى (اتسع الفتق على الراتق)..، وقد كادت خيوط الحنان تنفد.. أو تسحيل حبالا غليظة من القسوة !! والحب من طرف واحد مضن ٍوموجع...، فمتى يكون الصفح والسلام والحب منها؟... وحتام نعشقها ونفتديها وهي في إعراض عنا.. ؟
(كم ذا يكابد عاشق ويلاقي *** في حبِّ مصركثيرة العشاق
( فكان رد الشاعرعليه مباشرة بأن هذا من خيال الشعر، والخيال فرع الحقيقة لا يقاس عليه عند شاعرنا.وهذا دليل على التفرقة بين النص الورقي والنص الرقمي. وهناك من قرأ النص من زاوية نفسية، كما فعل الدكتورأحمد إسماعيل حين قال:» الله الله الله .. دام حبك .. ودمت محبا .. ودامت كلماتك المحبة:
كل شيء يرق حولي ويصفو
كنظرة القلب الطفولي الوادع الآمن الخالد الحب .. وما أبدعك حينما جعلت للصورة الوادع