تراجم لأئمة الحرمين الشريفين، وخطبائهما منذ عهد النبوة
إلى سنة 1432هـ
تأليف: الشيخ العلامة الدكتور صالح بن عبدالله بن محمد بن حميد
تقريظ: محمد بن ناصر العبودي
أول هذا الجزء الثاني هو ترجمة الخليفة العادل المستقيم عمر بن عبدالعزيز بن مروان الذي ولد في المدينة المنورة عام ستين من الهجرة (ص469 وص 470).
قال:
توفي عام 101هـ، وأمه هي أم عاصم بنت ابن عمر بن الخطاب.
قال الخريبي: ولد عام قتل الحسين رضي الله عنه.
قال إسماعيل الخطبي: رأيت صفته في كتاب: أبيض، رقيق الوجه جميلاً، نحيف الجسم، حسن اللحية، غائر العينين، بجبهته أثر حافر دابة، ولذلك سُمي أشج بني أمية، وقد وخَطَه الشيب.
وكان الذين يعيبونه من حساده لا يعيبونه إلا بالإفراط في التنعم والاختيال في المشية، هذا قبل الإمرة، فلما ولِّي الوليد الخلافة أمّر عمر على المدينة، فوليها من سنة ست وثمانين إلى سنة ثلاث وتسعين، وعُزل، فقدم الشام، ثم إن الوليد عزم أن يعزل أخاه سليمان من العهد وأن يجعل ولي عهده ولده عبدالعزيز بن الوليد، فأطاعه كثير من الأشراف طوعاً وكرهاً، وصمم عمر بن عبدالعزيز وامتنع عن قبول ذلك.
ومضى المؤلف الكريم بإيراد أسماء من أمّ في الحرمين الشريفين أو أحدهما فذكر أناساً من غير المشاهير مثل عبدالرحمن بن الضحاك الفهري.
ومنهم من ليس كذلك مثل إبان بن الخليفة عثمان بن عفان وكان والياً لعبدالملك بن مروان على المدينة فعزله عبدالملك وولاها بعده لهشام بن إسماعيل، وقد مات سنة خمس ومائة.
وبعده عبدالواحد بن عبدالله البصري.
ثم استمر المؤلف يذكر من أمّ في الحرمين أو أحدهما فذكر نافع بن علقمة الكنابي، وعثمان بن عبدالله بن سراقة القرشي الذي مات في عام 118هـ.
ثم ذكر أخا الخليفة من بني أمية وهو مسلمة بن عبدالملك بن مروان الذي توفي سنة 120هـ (ص481، وص482).
حكى عنه يحيى بن يحيى الغساني ومعاوية بن صالح، وله حديث في سنن أبي داود.
له مواقف مشهودة مع الروم، وهو الذي غزا القسطنطينية، وكان ميمون النقيبة، وقد ولي العراق لأخيه يزيد ثم أرمينية.
قال الليث: وفي سنة تسع ومئة غزا مسلمة الترك والسند.
وذكره الفاسي في ولاة مكة.
قال الذهبي: قلت: كان أولى بالخلافة من سائر إخوته، وفيه يقول أبو نخيلة:
أمَسْلَمَ إني يا بن خَيرِ خليفةٍ
ويا فارسَ الهيجاء يا جبلَ الأرضِ
شكرتُكَ إن الشكر حبلٌ من التُّقى
وما كل من أوليته نعمةً يغضي (1)
وأحييتَ لي ذِكْري وما كنتُ خاملاً
ولكنّ بعضَ الذكرِ أَنْبَهُ من بعضِ
قال الزبير بن بكار: كان مسلمة من رجال بني أمية، وله آثار كثيرة، وحروب، ونكاية في العدو من الروم وغيرهم.
قال ابن كثير: وقد فتح حصوناً كثيرة من بلاد الروم، ولما ولي أرمينية غزا الترك، فبلغ باب الأبواب فهدم المدينة التي عنده، ثم أعاد بناءها بعد تسع سنين، وفي سنة ثمان وتسعين غزا القسطنطينية فحاصرها، وافتتح مدينة الصقالبة، وكسر ملكهم (البرجان)، ثم عاد إلى محاصرة القسطنطينية.
وقد لقي مسلمة في حصاره القسطنطينية شدة عظيمة وجاع المسلمون عندها جوعاً شديداً، فلما ولي عمر بن عبدالعزيز أرسل إليهم البريد يأمرهم بالرجوع إلى الشام، فحلف مسلمة ألا يقلع عنهم حتى يبنوا له جامعاً كبيراً بالقسطنطينية، فبنوا له جامعاً ومنارة، قال ابن كثير: فهو بها إلى الآن يصلي فيه المسلمون الجمعة والجماعة.
وبالجملة كانت لمسلمة مواقف مشهورة، ومساع مشكورة، وغزوات متتالية منثورة، وقد افتتح حصوناً وقلاعاً، وأحيا بعزمه قصوراً وبقاعاً، وكان في زمانه في الغزوات نظير خالد بن الوليد في أيامه، في كثرة مغازيه، وكثرة فتوحه، وقوة عزمه، وشدة بأسه، وجودة تصرفه في نقضه وإبرامه، وهذا مع الكرم والفصاحة، وقال يوماً لِنُصَيْبٍ الشاعر: سلني، قال: لا، قال: ولم؟ قال: لأنك كفك بالجزيل أكثر من مسألتي باللسان، فأعطاه ألف دينار.
وقد أوصى بثلث ماله لأهل الأدب، وقال: إنها صنعة مجفوّ أهلها، وقال الوليد بن مسلم وغيره: توفي يوم الأربعاء لسبع مضين من المحرم سنة 121هـ.
ثم ذكر بعده أخاه الخليفة هشام بن عبدالملك بن مروان، وقد ترجم له المؤلف ولم يذكر أنه أمّ في الحرمين، أو أحدهما، ولكن ذكر أنه إمام الحج سنة ست ومائة.
وقد حمله على ذكره في الأئمة أن من يقيم الحج ويقود الحجاج إلى بيت الله الحرام في مكة أو المشاعر المقدسة هو الذي يؤم الناس.
وكذلك القول في الذي بعده وهو يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي أمير مكة والمدينة والطائف.
ثم ذكر والياً متميزاً مشهوراً في التاريخ وهو خالد بن عبدالله القسري.
فذكر ولايته على مكة المكرمة وما أجراه فيها، فقال من بين ما قاله عنه: (ص485 وص 486- وص487).
وقال: خالد بن عبدالله بن يزيد، يكنى أبا القاسم وأبا الهيثم، ويعرف بالقسري، أمير مكة والعراق، ولي مكة للوليد بن عبدالملك، ولأخيه سليمان بن عبدالملك، وولي العراق لهشام بن عبدالملك نحو خمس عشرة سنة، ثم عزل عن ذلك، وعذب عذاباً شديداً حتى مات.
وذكر الأزرقي أنه ولي مكة لعبدالملك بن مروان، في موضعين من كتابه: أولهما: قوله في الترجمة: (ما جاء في أول من استصبح حول الكعبة، وفي المسجد الحرام بمكة، وليلة هلال المحرم) بعد ذكره للمصباح الذي وضعه عقبة بن الأزرق بن عمرو الغساني على داره الملاصقة للمسجد، فلم يزل يضع ذلك- يعني عقبة- على حرف الدار حتى كان خالد بن عبدالله القسري، فوضع مصباح زمزم مقابل الركن الأسود في خلافة عبدالملك بن مروان، فمنعنا أن نضع ذلك المصباح.
والموضع الآخر في الترجمة: (أول من أدار الصفوف حول الكعبة.
وقد اختلف في تاريخ ولاية خالد على مكة في خلافة الوليد بن عبدالملك فحكى ابن الأثير في ذلك ثلاثة أقوال:
أولها: أنه سنة تسع وثمانين، وثانيها: سنة إحدى وتسعين، وثالثها: سنة ثلاث وتسعين.
وذكر الأزرقي أشياء من خبر خالد بن عبدالله القسري بمكة، يناسب ذكرها هنا.
مما ذكره عن سفيان بن عيينة، قال: أول من أدار الصفوف حول الكعبة خالد بن عبدالله القسري.
وعن عبدالرحمن بن حسن بن القاسم بن عقبة الأزرقي عن أبيه قال: كان الناس يقومون قيام شهر رمضان في أعلى المسجد الحرام، تركز حربة خلف المقام بربوة، فيصلي الإمام خلف الحربة والناس وراءه، فمن أراد صلى مع الإمام، ومن أراد طاف (بالبيت) وركع خلف المقام، فلما ولي خالد بن عبدالله القسري مكة لعبدالملك بن مروان، وحضر شهر رمضان، أمر خالد القراء أن يتقدموا فيصلوا خلف المقام، وأدار الصفوف حول الكعبة، و ذلك أن الناس ضاق عليهم أعلى المسجد، فأدارهم حول الكعبة فقيل له: تقطع الطواف لغير المكتوبة! قال: فأنا آمرهم ليطوفوا بين كل ترويحتين بطواف سبع، فأمرهم فصلوا كل ترويحتين بطواف سبع، فقيل له: فإنه يكون في مؤخر الكعبة وجوانبها من لا يعلم بانقضاء طواف الطائف، من مصل وغيره، فيتهيأ للصلاة، فأمر عَبيداً للكعبة أن يكبروا حول الكعبة يقولون: الحمد لله والله أكبر، فإذا بلغو الركن الأسود في الطواف السادس سكتوا بين الركنين سكتة حتى يتهيأ الناس ممن في الحجر ومن في جوانب المسجد، من مصل أو غيره، فيعرفون ذلك بانقطاع التكبير، ويصلي ويخفف المصلي صلاته، ثم يعودون إلى التكبير حتى يفرغوا من السبع، فيقوم مسمع فينادي: الصلاة رحمكم الله.
قال: وكان عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار ونظراؤهما من العلماء يرون ذلك ولا ينكرونه.
مات خالد بن عبدالله القسري سنة 126هـ.
وقد توسع المؤلف في إيراد القصص عن خالد القسري وعن أفعاله الجيدة، وأفعال له أخرى غير تلك.
وكأنما اعتمد المؤلف حفظه الله قاعدة أن الوالي على مكة المكرمة أي الأمير عليها يكون إماماً في المسجد الحرام، قاعدة عامة. لذلك استمر في ذكر ولاة مكة على هذا الأساس.
وأكثر الولاة الذين ذكرهم لم ينوه المؤرخون على أنهم أموا الناس في المسجد الحرام، ولكن كان أمر الإمامة في المسجد منوطاً بهم، وهم كانوا المسئولين عمن يتولى ذلك من الناس إذا لم يكن الوالي إماماً بنفسه يصلي بالناس فيه.
وقد استمر المؤلف الكريم في ذكر الخلفاء والولاة من بني العباس بعد أن انتهى من ذكر من كانوا كذلك في عهد بني أمية واستمر المؤلف صاحب المعالي الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد في ذكر أخبار الخلفاء الذين أورد أسماءهم وما جرى منهم أو عليهم من المجريات.
وفي ص 559 ذكر المؤلف الكريم عنواناً بلفظ: (الفرع الثالث من القرن الثاني).
وتحته أول المذكورين وهو مقسم بن بُجَرَة- على وزن شجرة.
وهو مولى كان لعبدالله بن الحارث بن نوفل- ويقال له: مولى ابن عباس للزومه إياه.
وفي أخبار مقسم هذا تصريح أنه أمَّ بالناس في المسجد الحرام، إذْ جاء في ترجمته أنه كان يقرأ في المسجد في مصحف وكان يتتعتع في قراءته، لم يكن جيد القراءة.
وكان إذا ختم اجتمع إليه الناس محبة في ختمته.
قيل إن وفاته كانت سنة إحدى ومائة.
ثم نجد عنواناً آخر بلفظ: (الفرع الأول من القرن الثالث).
كان أول من ذكر فيه (عيسى بن يزيد الجلودي) وقال: كان والياً سنة 200هـ قال:
عيسى بن يزيد الجلودي:
أقام بمكة وهي مستقيمة له والمدينة حتى قدم هارون بن المسيب والياً على الحرمين فبدأ بمكة فصرف الجلودي عنها.
وبعد ترجمة هذا الرجل أورد المؤلف الكريم أسماء أشخاص عدة من ولاة، كانت الصفة المشتركة فيهم أنهم تولوا أو عينوا في الولاية على الحرمين الشريفين أو أحدهما.
ورأى المؤلف الكريم أن ذلك يعني أنهم أموا الناس في الصلاة في الحرمين الشريفين أو أحدهما.
إلى أن وصل إلى ترجمة أحمد بن محمد البزي التي فيها التصريح بأنه كان إمام المسجد الحرام ومؤذنه أيضاً.
فقال (ص583): ثم إماماً للمسجد الحرام من الموالي، فقال:
أحمد بن محمد بن عبدالله بن القاسم البزي المكي (170- 250هـ):
أبو الحسن البزي المكي المقرئ قارئ مكة ومؤذن المسجد الحرام، ومولى بني مخزوم، قال البخاري: اسم أبي بزة بشار مولى عبدالله بن السائب المخزومي، كان إماماً ضابطاً ثقة، انتهت إليه مشيخة الإقراء بمكة.
واستمر المؤلف في ذلك حتى وصل إلى ذكر ترجمة علي بن الحسن الهاشمي العباسي، الذي قال: إنه كان والياً سنة 254 إلى سنة 256هـ، ووصفه بأنه أمير مكة. ولم يذكر صراحة بأنه تولى الإمامة بالمسجد الحرام، وإنما ذكر له أشياء ربما تدل هي أنه فعلها بصفته الوالي على مكة، وليس بكونه إماماً للمسجد الحرام، قال (ص589):
ذكر الفاكهي ولايته على مكة، وأنها في سنة ست وخمسين ومئتين، وأن في المحرم ذكر الحجبة لعلي بن الحسن هذا أن المقام وهي، وتسللت أحجاره، ويخاف عليه، وسألوه في تجديد عمله وتضبيبه حتى يشتد، فأجابهم إلى ما سألوا، ودعا الصاغة إلى دار الإمارة، وأخذ في عمله، وحضرته في ذلك نية، فأمر أن يُعمل له طوقان من ذهب، ثم قال: وجعل في الطوق كما يدور، أربع حلق من فضة يرفع بها المقام، وزاد فيها علي بن الحسن ما يصلحها من الذهب والفضة من عنده.
وقال في الأوليات بمكة: وأول من فرَّق بين الرجال والنساء في جلوسهم في المسجد الحرام، علي بن الحسن الهاشمي، أمر بحبال فربطت بين الأساطين التي يقعد عندها النساء فكن يقعدن دون الحبال إذا جلسن في المسجد، والرجال من وراء الحبال، وذكر الفاكهي أنه توفى بمكة، ولم يذكر الفاكهي تاريخ وفاته.
وبعد أن ذكر المؤلف جماعة ممن تولوا الإمارة في مكة ولم ينص على أنهم كانوا يؤمون في المسجد الحرام وصل الكلام إلى ص627 فذكر ترجمة عبدالله بن عمر بن علي القيرواني ونص على أنه إمام مقام إبراهيم الخليل عليه السلام بالمسجد الحرام.
ولكن إمامته كانت منقوصة، إذْ كان شافعي المذهب يصلي إماماً بالشافعية.
قال الحافظ السِّلَفيُّ كان إمام إبراهيم، وأول من يصلي من أئمة الحرم قبل المالكية والحنفية والزيدية.
مات سنة 500.
معلمة واسعة:
وتراجم أولئك الأعلام الذين تولوا الإمارة أو لنقل الإدارة في مكة المكرمة من الذين ذكرهم المؤلف- أثابه الله- يعتبر ذلك- في حد ذاته- بمثابة معلمة واسعة فيمن تولى الأمور في مكة المكرمة.
ومنهم طاشتكين بن عبدالله المقتفوي المتوفى سنة 602هـ.
ومما يسترعي الانتباه أن المؤلف الكبير الدكتور صالح بن حميد كان يقتنص الفوائد النادرة، والمسائل الفكرية العميقة في عرضه لعشرات، بل المئات ممن ترجم لهم فيعرضها شيقة جذابة.
ومن ذلك ما ذكره في ترجمة محمد بن عبدالله بن محمد الحموي المتوفى في عام 770هـ، ويلقب ضياء الدين.
وفي ترجمته أنه لم يحمد في أدائه للخطبة، وعجب الناس من ذلك.
قال الفاسي: بلغني أنه لما شرع في الصلاة أول مرة قرأ السورة قبل الفاتحة، ثم فطن فقرأ الفاتحة.
مات سنة سبعين وسبعمائة بمكة، ودفن بالمعلاة.
وما زال المؤلف كذلك حتى انتهى الجزء الثاني بصفحة 919 وكان هذا الجزء الثاني قد بدأ بصفحة 468.
يتبع.
** ** **
(1) كذا في السير 5-241، وفي غيره كتاريخ مدينة دمشق (يقضي)، انظر: تاريخ مدينة دمشق 7-301.