الإبهار التقني وسحر الحضور الإنساني
اقيم على مسرح المجاز والذي يعد تحفة معمارية صمم على طريقة المدرجات الرومانية الملحمة التاريخية (عناقيد الضياء) وهي بلا شك عمل ضخم جدا ومفخرة حضارية توجت الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية.
تتبعت الملحمة فيها سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة لوحات فنية مبهرة ومدهشة استخدمت بها اعلى ماوصلت اليه التقنية وسخّر لهذا العمل الكثير من الجهد والمال واشتغل به كبار موسيقيي العالم العربي والغربي. ورغم ان استخدام التقنية العالية بهذا العمل الإبداعي والعالمي والذي يعد الأول من نوعه بالمنطقة يعد دورا بطوليا لهذه التقنية.
تتقاسمه مناصفة مع الفنانين الكبار وكل الذين شاركوا بالعمل من الممثلين.
بدون ان يبخسهم شيئا من ابداعهم أو حضورهم وقد كان عرض الفنان حسين الجسمي مبهرا فقد اعتمد بقدراته الصوتية على حسه المرهف, وروحانية عميقة واضحة، على رغم اختلاف خامته الصوتية عن الفنان القدير لطفي بوشناق او حنجرة علي الحجار وحتى الفنان الموهوب عساف الذي كان اداؤه لا يقل جمالا عن اداء اساتذته
وقد كان للضوء ايضا دور رئيسي بالعمل الملحمي ومسيرة الرسول الروحانية وعلى الاستعانة بتأثيرات الضوء في الأحداث التاريخية وقد استخدم ذلك بشكل مبهر.
ورغم عنصري الإبهار والدهشة الذي اعتمدت عليهما هذه التقنية والتي استغلت وسخرّت جيدا بهذا العمل الملحمي الرائع إلا ان هذه التقنية مهما تقدمت وكان تأثيرها عظيما، لا تقارن بسحر ودفء حضور الإنسان، مثلما اجهش بعض الحضور بالبكاء عندما صدح الذي يمثل دور بلال بالأذان في جو مهيب من الخشوع والدهشة التي عمت المدرجات. والملحمة التي من شعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي وموسيقى خالد الشيخ، انتهت بموت الرسول صلى الله وسلم، فلم يجر ربط ما مثل ربط يثرب بالشارقة، ولم يستمد من احداث الماضي ما له علاقة بالحاضر بالذات، والشارقة مدينة زاخرة بالأمثلة الحضارية والثقافية وما هذا العمل إلا احدها.
ورغم استمتاعي بالعرض الرائع لعناقيد الضياء إلا ان ذلك لم يدهشني كثيرا فمدينة الشارقة تعدّ عاصمة ثقافية من الطراز الأول، بمراكزها الحضارية ومتاحفها واهتمامها بالتراث، وبالموروث الشعبي وبأنشطتها وفعاليتها الثقافية والإسلامية التي تقام على مدار السنة, وقد سخر الله لها حاكما مثل الشيخ الدكتور سلطان القاسمي رجل مثقف وطموح معتز بدينه ومخلص بحبه لمدينته ومعني بها ولا يبخل عليها بأي جهد وينفق بسخاء من اجل أن يبرز رسالة الإسلام الحضارية والإنسانية للعالم.