اللعبة المسلية
المعرفة محصلة الرؤى. نمو التراكم بوعي وشغف. هذا الفهم المتعدد. البحث اللذيذ والبهجة المنعشة. فبعيداً عن التعريف المعجمي والمعلومة المجانية هذه الأيام، تظل المعرفة الجميلة والمحفزة هي الفعل الشخصي الحُر. التي لا يجب أن تُخْضِع نفسها للمنهجية الحادة. ولا لأي بؤرة إيديولوجية مُحدِدَة. هي ما امتدّ من تجارب الإنسان بتفريعاتها وهواياته وانشغالاته الذهنية؛ لرفع رصيده في خطط فهم الحياة. المعرفة اللعبة المسلية التي تسمى متعة الاكتشاف الدؤوب غير المنسوب لتعريف جامد أكثر من كونه يحقق ذاته فعلاً ساطعاً ببهجة.
الذات التي على الرف
ذهبت إلى مكتبة كبيرة في مدينتي ذات يوم لقصد لم يكن الكتاب إحدى نياته، إلا أنها لازمةُ (كتاب واحد فقط) التي تتلبسني حال ذهابي حتى (للسوبر ماركت) حين أمر بالقسم الصغير المخصص لبيع الكتب التافهة، ومجلات الأزياء القبيحة؛ لأخرج فعلاً بكتيّب واحد.
أعود للمكتبة الكبيرة، فقد كان هناك رف طويل خصص لكتب تطوير الذات. فجعلت أتساءلُ بشفقة: هل أضعنا عقولنا وذواتنا لنجدها على هذه الرفوف ببساطة!؟ أم نجدها بعدد طبعات الكتاب المبالغ فيها بعلاته الترجمية والثقافية!؟ الشفقة الأخرى لماذا تشترى هذه الترهات بنهم؟!
لم أفكر يوماً باقتناء مثل هذه الأشياء رغم العناوين السحرية جداً التي لو جمعتها جميعاً لأصبحتُ عالمة ذرة ربما، أو فيلسوفة من النوع السارتري!!
تطوير الذات شيء مختلف عن كل هذا الهراء المُكثَّر بقلة الوعي. الوعي الذي يجب أن يقول مبكراً بأنه لا ينبغي أن يكون بيني وبين ذاتي كتاب رديء!
مسحوق الفحم البشري
المثالية والنموذجية الأخلاقية كمال دائماً، أو محاولة الحد الأعلى منه. إلا أن ثمة أنماطا بشرية لا تعترف بالجمال الإنساني الذي أُودع مع الفِطَر النظيفة والكرامة السوية بالطبع. وهم المفكرون عبر ذواتهم الضيقة. الأنانيون تماماً؛ لظنهم أن خير الله في الدنيا يجب أن يُحاز لهم. المنفوخون بذواتهم الضئيلة.
هذه الأنماط ستظل تشوّه بياضها الأول، وكأنها بهذه الأفعال تلطخه بمسحوق فحم يتهلهلُ جلياً في فلتات اللسان ونقرات الأصابع (تتشاً)!!
قيمة الضد
لا معنى لقيمة إن لم يوجد لها نظير أو مضاد معاكس. القيمة لا تتجلى تلقاء وجودها مباشرة. أنت ذاتك لن تعرف نفسك جيداً مالم تراها من خلال مكبر ذات أخرى. الركون إلى صورة نرتاح لها لا يعني بالضرورة أن الأمور تسير على ما يرام غالباً. أحتاج إلى نظير للقيمة ذاتها لفهم أغمق لكُنه الند وقبوله لهذه المقارنة؛ ليستقيم فهمي. ولماذا هو متاح كخيار يبدو سيئاً ضدياً هكذا. لن أقول المقولة القديمة: «بضدها تتميز الأشياء» ولكن هل كل ما هو ضد قيمي الشخصية، ضد حقيقي؟! أم أنه مما اصطلح عليه وأصبح ضداً؟!