«حقيقة العقل» (2)

سبق القول فيما قلت عن العقل أن مادته اللغوية هي: ع-ق-ل، وهذا فيما علمتُ ما دونه أصحاب/المعاجم اللغوية/ كلٌ حسبَ طريقته تلك التي سار عليها حسب شرطه في معجمه، ولهذا تميزت المعاجم بعضها عن بعض.

وإذا كان كذلك فإن العقل تدخله لام التعريف عند الحديث عنه لتناول أمره في حقه كله أو في جزءٍ منه يحتاج المتحدث إليه فيما يكتبه عنه.

وكنت أرمي هنا كما كنت أرمي هناك أن أبين حقيقته..لا.. آثاره في حياة الإنسان.

وعلى هذا المقتضى فإن العقل جوهرة موهوبة تقتضي.. جزماً.. للدلالة عليها.

1. هدوء الطبع.

2. شفافية النفس.

3. علو الأخلاق.

4. العدل الملموس حقاً.

5. تمام نضوج الفكرة وبراعتها.

6. الحياة على السجية دون تكلف.

7. الإنزواء وقوة التأمل.

8. ثقل الرأي الجديد.

9. استقلالية المنهج الحر.

10. التضايق من حب الظهور.

11. شعور بالأمن والراحة لمن يخالطه.

12. الاعتبار بحال من سبق (رجاءً.. وخوفاً).

13. غموض في شخصيته لمن يخالطه جيداً لكن على حال متقطعة.

14 محاولة عدم ذكره.

وهذه غير التي ذكرتها من قبل، فهذه صفاتُ العقل، أما تلك التي مضت في «جزء1» فهي: آثار العقل، وهذا أمره بين.

والعقل وجدته من خلال طول التأمل وسبر غور سطور التراجم وجدت ذلك في:

1. عبدالرحمن الناصر.

حكم (50) عاماً وبايعه وهو في سن (23) أعمامه وأعمام أبيه، وكان من سؤدده وعقله أن قرب المناوؤين له أشد ما يكون، وترجمته مُسطرة.

2. يحيى بن سعيد القطان/ رجل أسمر اللون نحيف القامة في عينيه حول ضعيف شد المشية قوي التأمل وسعة البال تشعر وأنت تجالسه وتحادثه أو وأنت تختلف مع تشعر بجواره بالأمن والراحة والميل إليه مع قوة في شخصيته ظاهرة، وقف في طريقه حسد حتى من بعض أقربائه الأكبر سناً بدهاء ومكر فتجاوز كل هذا.

ومن عجائب بروز العقل لديه أن كل أصحاب الصحاح رووا عنه تترا، فالبخاري/ ومسلم/ والترمذي/ والنسائي/ وأبوداود/ وابن ماجة/ كلهم (قارئي العزيز) رووا عنه: قالوا عنه: (شيخ الجماعة).

وقالوا عنه: (العاقل) و(والمكيث) و:(الصابر) لأنه صبر على الحسد والتهم.

وقراءة سيره هذا الإمام بتروٍ وسكينة وقوة تحرٍ فإن أول ما يبرز إليك العقل من صفاته ليس ثمة.

3. ابن مالك:

واسمه: محمد جمال الدين بن عبدالله بن مالك له تصانيف جيدة عالية القيمة والقدر من تصانيفه: الخلاصة وهي نفسها «الألفية» المعروفة.

وقد تتلمذ على كبار العلماء وتتلمذ على يديه كثيرون.

كان طويل الصمت.. والسمت.. والجد.. والأنفة.. وقوة الملاحظة.. وشدة الفهم لما يقرأ، وكان يُصدر عن رأي سديد ومن الصعب جداً على عاقل مكيث جدَّ مكيث أن يرمزه بتدليس أوما سوى ذلك، وترجمته مبثوثة يهالك منها ويهالك فيها بروز العقل السيد ذلك إذا تحليت بخلق وسعة فهم وبعد غور فطين، ولا جرم فتدبر سيرة هؤلاء الثلاثة يهبك بإذن الله تعالى فهماً جيداً ووعياً حقاً لتفرق بين: آثار العقل وصفاته عند من تظن أنه عاقل وقد يكون ليس إلا ذكياً يعرف كيف يتكسب ومن ثم كيف يكون عالماً وهذا ما أوقع الحارث الأغور.. وإبراهيم إبن هدبه.. وواصل بن عطاء في حيز ضيق خلال القرون.

(وسوف بإذن الله تعالى أفرد كتاباً مستقلاً لا علاقة له بهذا المعجم عن ابن مالك خاصة وذلك لبيان حالته وصفاته وآثاره وألفية). لكن بطريقة لعلها لم تكن معهودة من قبل وذلك لإخضاعها للتحليل النفسي الفيسولوجي بنوعية جديدة عن طريق دراسة أعماله وشخصيته وحقيقة ضابط العقل لديه.

وقد أكتب بعض ما يعن لي من خواطر وأحاسيس ولما كنت أخشى فواتها كنتُ أقوم بتدوينها فهذه بعض ما كنت أكتبه:

أ. العاقل لا يعادي.. ولا يماري.

ب. العقل كله التأني.. ومراجعة الزلل.

ج. لا تنشأ العداوة من عاقل.

د. العلم وراءه العقل وأمامه.

هـ. تبادل المصالح النفعية لذات الشهرة يمقتها العقل.

و. ليس بذي عقل من سفه بنقده ولمزه وغمزه.

ز. ساد عالم تحرر من رباط الدعوة إلى الذات.

ح. العقل الحق يدور بين: الرجاء والخوف.

ط. من التمس العذر لمن زل عقله.

ي. العاقل من لم يستغل غيره لضرب غيره.

ك. العاقل من اعتبر وتدبر وكف أذاه وتجريحه.

ل. السؤدد يصاحبه العقل دائماً إلا في حالات:

1. الجور الخفي.

2. البغي المبطن.

3. نشدان المصلحة لذاتها.

4. إهمال الضعيف ومن لا يحسن التعبير.

5. الوشاية الذكية من قريب أو صاحب.

6. ترك طلب من رجاك.

7. ترك طلب من اشتكى إليك.

8. ترك الحق لضعف صاحبه.

9. ترك العدل للخلود.