Saturday 12/04/2014 Issue 434 السبت 12 ,جمادى الثانية 1435 العدد
12/04/2014

عالي القرشي والأدب الجاهلي ـ حكايات في الذاكرة

كان لقائي بأستاذي الناقد البرفيسور عالي القرشي مختلفا هذه المرة عند زيارته الأخيرة للرياض، فهو الناقد والكاتب الفاعل الذي له مشاركاته المحلية والعربية، الذي يعد من أنشط المتفاعلين في الملتقيات والمؤتمرات التي يدعى إليها لتقديم أوراق عمل أو لإدارة ندوة أو خلاف ذلك، فقد قدم خلال مسيرته الأدبية عشرات الكتب في المجال النقدي، تناول من خلالها الإبداع الأدبي في المملكة العربية السعودية إلى جانب دراساته النقدية التي تناولت بعض الكتاب العرب.

تجمعني بالعملاق عالي القرشي إخوة وصداقة وصلة منذ بداياتي الأولى في الكتابة، فقد شاهدته في النادي الأدبي بالطائف عندما كنت في بداية المرحلة الثانوية أحضر مع أخي الأكبر الفنان سعيد الخضري المعارض الفنية التي كان يشارك بها ويقيمها في النادي الأدبي وجمعية الفنون. وتطورت العلاقة عندما أصبحت أعمل في الصحافة واستضفت الدكتور عالي أكثر من مرة في لقاءات وندوات ومشاركات أدبية كنت أنفذها أثناء عملي الصحفي في المجال الثقافي وإبان عملي من وقت مبكر في العلاقات العامة بنادي الطائف الأدبي، وعندما التحقت بكلية المعلمين درست لدى الدكتور عالي مادتين هما: الأدب السعودي والأدب الجاهلي، تذكرنا معا كيف كان شديدا على طلابه وأنا كنت واحدا منهم، على مسألة إجادة قراءة قصائد الأدب الجاهلي وبالذات المعلقات السبع الشهيرة التي كنا جميعا لا نجيد قراءتها، حتى أنه هدد جميع الطلاب بالرسوب إذا لم يتقنوا القراءة، فكانت معاناة حقيقية وبالذات مع معلقة امرؤ القيس الشهيرة (قفا نبك) التي تتضمن الفاظاً موغلة في الغرابة، التي من أشهر أبياتها: قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل

بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ

فتوضح فالمقراة لم يَعفُ رسمهاَ

لما نسجتْها من جَنُوب وشمالِ

ترى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصاتِها

وقيعانها كأنه حبَّ فلفل

كأني غَداة َ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَلّوا

لدى سَمُراتِ الحَيّ ناقِفُ حنظلِ

وُقوفاً بها صَحْبي عَليَّ مَطِيَّهُمْ

يقُولون لا تهلكْ أسى ً وتجمّل

وإنَّ شفائي عبرة مهراقة

فهلْ عند رَسمٍ دارِسٍ من مُعوَّلِ

المهم أنني اجتزت المادة بسلام وبتقدير»مرفوس»، كما يحلو لي أن اطلقها على درجة الدال، التي تمثل أقل درجة في الاجتياز.

تذكرنا أيضاً موقفا طريفا، عندما عقدت ندوة نقدية حول مجموعتي القصصية الثانية: (امرأة من ثلج) بعد صدورها في الطائف العام 2000م وكان الدكتور عالي أحد المشاركين فيها، وعلق على قصة: (عبد الحي) وهي إحدى قصص المجموعة بأن ما ورد بها على لسان بطل القصة «المجنون» الذي كان يردد: الله كريم، بابا سكين، أثناء تسوله، بأن عبارة سكين جعلت من النص أكثر انفتاحاً على التأويل، وهي من محاسن الغلطات المطبعية، وكنت جالسا بين الحضور، فصرخت بقولي:

- والله أنها ليست غلطة مطبعية، ورددت ذلك مرات للتأكيد، وكان بجواري الكاتب الدكتور عبد الرحمن الطلحي الذي حرص على تهدئتي، فضحكنا كثيرا على هذه الذكريات.

يذكر أن هذه الندوة النقدية شارك بها كل من القاص الأستاذ محمد الشقحاء، والقاص الأستاذ خالد اليوسف، والدكتور محمد قاري، وحضرها كتاب ونقاد وإعلاميون، وكانت ضمن نشاطات المكتبة العامة عندما كان القاص الكبير محمد الشقحاء أميناً للمكتبة العامة بالطائف، في ذلك العهد، شهدت المكتبة حراكا ثقافياً مهماً، لفت الأنظار إلى ذلك النشاط الثقافي المتنوع، الذي اشتمل أيضاً على أسبوع للسرد، تم تنفيذه ضمن فعاليات أنشطة الصيف في الطائف المأنوس، شارك به عدد كبير من الكتاب والنقاد المعنيين بالمجال السردي، أسماء بارزة لها حضورها الفاعل في الساحة الثقافية، وتأثيرها على الحراك الثقافي المحلي، والعربي، كان يدعى أيضاً كتاب عرب مبرزون، وكان للدكتور عالي القرشي دوره الواضح وبالذات بعد أن قام بتأسيس ملتقى عكاظ الثقافي بفرع جمعية الثقافة والفنون بالطائف، وتم من خلاله تقديم عدد من الكتاب، واكتشاف عدد آخر من المواهب الشابة التي أصبح لها الآن دورها وحضورها في المشهد الثقافي المحلي، إلى جانب تكريم عدد من الكتاب المحليين والكتاب العرب الذين كان لهم مساهمات مهمة في خدمة الأدب السعودي.

اعتقد أن من الواجب علينا، وعلى الجهات الرسمية المعنية بالشأن الثقافي، أن نعمل على تكريم مثل هذه الشخصيات البارزة التي خدمت وأدت رسالة مهمة تجاه الثقافة والأدب على الصعيد المحلي وقدمت نفسها عربياً لتؤكد أن الثقافة السعودية بخير، وأنها موجودة وبقوة وذات فاعلية حقيقية أمام نظيراتها في العالم.

- الرياض k.khodare@gmail.com