العالم العربي هو مهد الحضارات والأديان، ويحتوي على ثلثي ثروات الارض، وبسبب موقعه الوسطي كان ولا زال محل تقاطع وتلاقح كل الحضارات في التاريخ، لذلك هو محل أطماع الغزاة منذ القدم.
الحضارة السومرية (حضارة وادي الرافدين 11-13 الف سنة ق.م ) هي أقدم حضارة في التاريخ وهي جذر الحضارات البشرية الأخرى، حيث أسست لبناء مجتمع مدني يسير ويتطور ضمن دولة ومؤسسات، استكملته الحضارتين البابلية والآشورية ,حيث تم ابتكار الكتابة ووضع قوانين (حمو رابي) تنظم حياة المجتمع وازدهاره الاقتصادي والفكري والحقوقي.
تعرض هذا العالم العربي بسبب غناه وأصالته إلى غزوات متكررة تخللتها محرقات متتالية تلتهم الحجر والبشر وتدمر، حقدا، كل البناء الإنساني وتسيل أنهار من الدماء، ولكنه يعود لينهض من جديد في كل مرة مثل طائر الفينيق.
أحد المميزات العظيمة للإسلام أنه استنهض الروح القومية للعرب (كنتم خير أمة اخرجت للناس) ليس من أجل استعباد القوميات الأخرى، أنما للتحرر من هيمنة الروم في الشمال والفرس في الجنوب واستطاع بناء دولة (حضارة) ذات مؤسسات نشرت الرسالة في أصقاع الأرض دون التعرض للأبرياء من الناس ودون إجبارهم على ما لا يطيقون أو التنكيل بهم، بل الحفاظ عليهم وعلى اعرأضهم وأطفالهم وأموالهم وحتى أشجارهم، في حين أن الرأسمال، عندما قرر الهيمنة على هذا العالم العربي ليهيمن فيما بعد على العالم كله، وقد مارس الرذيلة والخطط المافيوية متمثلة بالخطوات التالية :
1- طمس القومية: ابتكر المحتلون الإنجليز مصطلح (الشرق الأوسط) كي تختفي كلمة (عربي) أو (عالم عربي) أو تاريخ عربي أو خصوصية أو مميزات عربية، خدمة لدولة زرعت في عالمنا العربي قسرا، ومجموعة من المرتزقة تسمي نفسها شعبا، تزعم أنها تعرضت لمحرقة مأساوية على يد النازيين، وكأنما لم يخسر الشعب الروسي عشرين مليون إنسان في ريعان شبابهم، ولم تحتل النازية ثلاث أرباع أوروبا والعالم وتعرض الشعوب لمحارق أقسى وأشرس ومؤكدة تاريخيا على الأقل. ثم لماذا يتحمل العالم العربي ممارسات النازية، وهي أحد أوجه الرأسمالية الأوروبية القذرة؟
2- منع التعليم: قال أحد اللوردات البريطانيين في بداية القرن العشرين (البحر الأبيض المتوسط هو قلب العالم ويوجد في الضفة الشرقية منه مخزون حضاري وبشري لو نهض سيبتلع العالم كله، لذلك يجب علينا منعه من التعليم وزرع داخله (دولة) ذات مواصفات غربية موالية لنا تقوم بالحفاظ على مصالحنا بالنيابة). التعليم هو مفتاح النهضة الاجتماعية والبشرية وخلق كوادر قادرة على قيادة عملية تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وفنية تفك الارتهان للأجنبي وتعزز الاستقلال الوطني وتحمي العالم العربي ومقدراته وأصالته وخصوصيته وتفتح له آفاق التطور والازدهار.
3- منع التنمية: حرص الاستعمار على الهيمنة الاقتصادية ، فالهدف الأول كان ولا زال معلنا، ألا وهو نهب المواد الخام بأرخص الأثمان وعدم توظيف المردود في عملية تنمية اقتصادية أو بشرية تؤمن استقلالية المستعمرات، إنما تفرض عليها تأسيس بنية تحتية ومنشآت صناعية تخدم الرأسمال الأجنبي فقط.
4- طمس التاريخ والجغرافيا: لم يكتف الرأسمال بتقسيم العالم العربي وطمس معالمه الجغرافية، بل حاول تزوير التاريخ لطمس أي دور للعرب أو أسلافهم فيه، وعندما عجز عن ترويج أن الحضارة والإنسانية بدأت في مكان آخر غير وادي الرافدين، حاول تدمير الآثار الدالة على ذلك، فقد كان أول عمل اقترفته اليد الأميركية بعد احتلال العراق سرقة المتحف العراقي وتدمير الآثار غير المنقولة، كما أنها جيشت مرتزقتها التكفيريين لتحطيم أي تحفة أثرية باسم الدين، بل نبش القبور وإخفاء معالمها أن تطلب الأمر.
5- الكيان الصهيوني: أنشئ بالاتفاق بين الاستعمار البريطاني والفئة المتصهينة من اليهود، أي الفئة المرتبطة بالمافيا الرأسمالية، وهذه الفئة ليس لها قيم أخلاقية ولا مبادئ ولا حتى أهداف أو أحلام متعلقة بالديانة اليهودية، إنما هي عصابة تعمل من أجل هيمنة الرأسمال في العالم كله وخاصة في أغنى منطقة منه، ألا وهي المنطقة العربية.
يدعون أنهم صنعوا وطنا لليهود، ونسوا أو تناسوا أن يذكروا عن أي يهود يتحدثون، عمن أتى واهما بأرض الميعاد ليكون حطبا لمحارق جديدة؟ أم مئات الألوف من اليهود الأحرار في العالم الذين رفضوا التصهين وأدانوا الرذيلة الإسرائيلية وتعرضوا لكل أنواع التنكيل والتصفية والحرمان من النطق؟ أم من ارتضى لنفسه مقابل بعض الدولارات أن يكون إداتا للمافيا ليقتل أبناء عمومته وينتزع أرضهم؟
الصهيونية هي وجه من أوجه المافيا الرأسمالية كما الفاشية والشوفينية والعنصرية والابارتيد والتكفيرية. لا عجب أن يتحدث بعض الكتاب الأوروبيين عن صهيونية يهودية وأخرى مسيحية وثالثة إسلامية للأسف الشديد، الأمر الذي يشير بدلالة ساطعة أن الصهيونية لا تمت بصلة لأي دين.
في كل محطات الصراع بين الرأسمال والحراك المناهض له كان العنف – ليس آخر العلاج كما الكي – بل هو الأول والثاني والعاشر والأخير. والعنف الرأسمالي لا يقتصر على التعنيف الجسدي وحسب، بل العنف الاقتصادي الذي يبتدئ بالاستعمار وينتهي بالمقاطعة والحصار، والعنف الفكري الذي يبتدئ بالتلاعب بالمفاهيم والمصطلحات وينتهي بمعاداة السامية والتكفير، وأنواع كثيرة أخرى، ولكن يبقى أشرسها العنف الجسدي الذي يبتدئ بالتعذيب وينتهي بالحرب.
الحرب: هي أحد أنواع العنف، يمارسه أو يؤججه الطرف المتسلط في الصراع الاجتماعي العام، كي يستميل موازين القوى لصالحه.
توالت الحروب الإقليمية والعالمية منذ بداية القرن العشرين، استطاع الرأسمال من خلالها الخروج من مآزقه المتتالية وتحقيق بعض المكاسب الآنية، ولكن المحصلة النهائية لم تكن لصالحه كما أراد، وقد حقق تلك المكاسب في مراحل فتوته عندما كان متفوقا اقتصاديا وإلى حد ما عسكريا، أما حاليا في مرحلة شيخوخته، فهو يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف به والتفكك الواضح للعيان في بنيته الاجتماعية، والهزائم العسكرية والسياسية المتوالية منذ أن بدأ حربه الانتقامية الأخيرة على الأرض العربية وما حولها.