من المفاهيم التي تم تشويهها، بقصد وعدوانية، بشكل غير مسبوق، ولم يهاجم، في مجتمعنا، فكر مثلما هوجمت اللبرالية واللبراليين، وتم جراء هذا الهجوم وهذا التشويه، فهمها على هذا الأساس المشوه.
يخطئ من يظن أو ينظر إلى أن «الليبرالية» أو «العلمانية» أو «الديمقراطية» أنها صناعة غربية وتخص الغرب وحده، بل إن هذه المفاهيم، هي منجز إنساني، بكل مقاييس الإنسانية، والتي أصبحت مكسباً من مكتسبات الإنسان المعاصر، مثلها مثل المكتسبات الحضارية والمدنية والصناعية من تكنولوجيا ومعارف فكرية وعلمية. والليبرالية، كـ «منهج لإدارة المجتمع المدني» هو منهج ناضج متطور جدا، لم يخرج من فراغ، ولم يصل على ما هو عليه الآن، في أوربا المتطورة، إلا بعد مآس ونزعات اجتماعية واقتصادية وحروب دامت ما يقرب ألف عام، بين المجتمعات، فتم التوصل إلى صيغة في إدارة المجتمع ، يقبل بها كل أطياف المجتمع الواحد، ويحترم توجهات الأفراد السياسية والاقتصادية والمذهبية والفكرية.
منهج متطور جداً لإدارة « حياة الإنسان» يجعل للفرد ذا قيمة في المجتمع، وينمي إحساسه بأهمية حياته، ويعي زمنه وعصره الذي يعيشه، ونتيجة لهذا الأهمية والقيمة يكون نزاعاً إلى الابتكار والإبداع والإنتاج والمنافسة الشريفة، بين أفراد المجتمع..
الواقع الأوربي المعاصر، يقول إنه لم يتطور المجتمع والدولة إلا من خلال اهتمامهم وتركيزهم على الفرد وتنميته، وتعليمه، تعليماً متطوراً حديثاً، متزامن مع لحظتهم الزمنية المعاصرة..
واحترام حريته الشخصية، في واقعه الاجتماعي وحقه في الاختيار والتفكير والتعبير عن رأيه المستقل، عن أي حيثيات وتأثيرات خارجية، بدون أي تحييز مذهبي أو أيديولوجي؟
فنشأت مجتمعات متحضّرة متمدنة نتج عنها مجتمع، ابتكر ويبتكر الفكر والثقافة والتقنية، التي نستخدمها ونستهلكها الآن؛ مجتمع متزامن مع عصره ومرهون بلحظته الزمنية الراهنة، وليس مرهوناً بزمن أشخاص عاشوا وماتوا في التاريخ القديم.
اللبرالية كفكر ومنهج، لإدارة المجتمع، هي من المفاهيم «السياسية» وليست من المفاهيم الدينية أو العقدية، كما ينظر إليها كثير من الناس، في مجتمعنا. فالليبرالية مثل (العلمانية) تماماً، لا تفرض ولا تفترض أي تصور عقدي أو ديني أو مذهبي معين، أو سلوك محدد على الفرد والمجتمع أبدا، بل على العكس أن من ذلك تحترم عقيدة واعتقاد ومذهب أي فرد في المجتمع لأن العقيدة والتوجة الفكري هو من»خصوصياته» الشخصية، التي ليست مطروحة للنقاش نهائياً. فـ «الكل» له أفكاره الخاصة وتوجهه الأديولوجي والعقدي، ورؤيته الشخصية تجاه الحياة والوجود. فمن المعيب حقاً، أن يكون، حتى على أفكارك الخاصة مراقبة ومعاقبة وحضر على الفكر والرأي الشخصي، هذا في واقع الأمر قمة المعابة، فضلاً عن أنه لا ينم حتى على احترام تنوع المجتمع؟
فإيمان الفرد وعقيدته يتكفل به الله عزَّ وجلَّ، وليس الناس. أو من نصب نفسه علينا راعي الفضائل.