لدي مشروع مؤجل لإعداد كتاب يحتوي على ترجمتي لمقالات مختارة عن معركة ترجمة رواية (بنات الرياض) إلى الإنكليزية. وقد جمعت معظم فصول الكتاب تقريبا، وأصبحت المادة الإنكليزية جاهزة، لكنني أجلت إنتاجه لعام 2015 (إذا كتبت لنا الحياة)، نظرا لوجود مشروعات أخرى. وهنا ترجمة لآخر مادة عثرت عليها، وهي مقالة غاضبة أخرى للبروفيسور مارلين بووث مترجمة رواية (بنات الرياض)، ونشرت في جريدة (الأهرام ويكلي)، وتشرح مجددا بعض ما دار بينهما وبين المؤلفة د. رجاء الصانع والناشر (بنغوين بوكس) من خلافات وملاحظاتها على التعديلات التي أدخلتها الصانع على الترجمة الإنكليزية. ونظرا لأني لا أخفي في كتاباتي تعاطفي الدائم مع المترجمين، خاصة القديرة والمرموقة د. بووث ، وحتى أكون منصفا مع الصانع، أضفت ملحقا يعطي الرأي الآخر وربما الأهم؛ أي رأي بعض قراء الترجمة الإنكليزية من موقع مكتبة (أمازون دوت كوم). وبذلك، سيحكم القراء الكرام على الأمر عندما يقارنون فذلكات المترجمين وأنا منهم مع آراء القراء؛ أي أن نتحول من التنظير إلى الواقع. ولكن دعوني أعرفكم بالقديرة مارلين بووث قبل قراءة مقالها الغاضب.
مارلين بووث: سيرة موجزة
ولدت مارلين بووث عام 1955 وحصلت على الدكتوراه عام 1985 من جامعة أكسفورد في الأدب العربي وتاريخ الشرق الأوسط. ترأس حالياً كرسي العراق للدراسات العربية والإسلامية في جامعة أدنبره. ألفت كتابين بالإنكليزية؛ الأول: (شاعر مصر بيرم التونسي) ؛ والثاني: (شهيرات النساء: أدب التراجم وسياسة الجندر في مصر). كما ترجمت 14 رواية عربية لكتاب عرب منهم: هدى بركات، نوال السعداوي، إلياس خوري وغيرهم. وتعمل حالياً على ترجمة رواية (غناء البطريق) لحسن داود.
المقال:
مترجمة ضد مؤلفة وبالعكس
كمترجمة قديمة وأستاذة وقارئة للرواية العربية المعاصرة وكمحكمة لجائزة سيف الغباشي - بانيبال، قرأت ببهجة تقرير ديفيد تريزيليان عن التركيز في معرض لندن للكتاب على الرواية العربية المعاصرة المنشور في (الأهرام ويكلي).
وخمن تريزيليان - بصورة معقولة - أن المسألة التي لم يحسمها المعرض هي ما إذا كان هناك موهبة عربية فذة، توشك على الظهور على الساحة الأدبية العالمية في أعقاب النجاح الشعبي في الغرب الذي صاحب حفنة من الروايات المترجمة من العربية في الآونة الأخيرة (وأحيانا بصورة مثيرة للجدل). وعلى أي حال؛ فالمعرض وُجد أولا وقبل أي شيء باعتباره سوقا للنصوص والشخصيات - الروائية ومؤلفيها - المتاحة للتسويق والتوزيع عن طريق دور النشر العملاقة ومتعددة الجنسيات مقرها في أوروبا وأمريكا الشمالية، لا بل ولم يعد من المستغرب أن نرى بعض خبراء النشر الغربيين، وهم يحاولون أن يقترحوا على الكتاب العرب ما يكتبون.
وكالعادة، بحسب تقرير تريزيليان، كان المترجمون غائبين في الغالب عن دورات معرض لندن للكتاب. ربما لأن الناشرين أصبحت لهم الكلمة الفصل في الاختيارات. ومن المهم بنفس درجة الانتباه التي يحظى بها المؤلفون، الانتباه أيضاً إلى كيفية الترجمة؛ أي جودة الترجمة. وذلك لأن دور المترجم حاسم لنجاح العمل الأدبي، (وهي النقطة التي يجب أن تكون واضحة ولكن غالبا ما يتم تجاهلها في المناقشات والعروض النقدية واختيارات الناشرين).
إذا لم تتمكن الترجمة الجيدة من ضمان نجاح رواية، فإن الترجمة السيئة يمكنها ضمان استقبال فاتر أو سلبي للعمل. وعلى الرغم من ذلك، فإن المترجمين في كثير من الأحيان يتم تجاهلهم في هذه العملية، لا بل أحيانا قد يصل الأمر لاحتقار دورهم.
وعلى سبيل المثال، أريد تسليط الضوء - والمجادلة - بخصوص أحد الأمثلة القليلة للأعمال العربية المترجمة في تقرير تريزيليان. لقد أشار إلى أن المؤلفة السعودية رجاء الصانع (قالت إنها عاونت (collaborated) في عملية الترجمة إلى الإنكليزية) لروايتها. حقا، يبدو اسمها على صفحة العنوان للنسخة الإنكليزية، باعتبارها إحدى المترجمتين... وأنا المترجمة الأخرى. ولكن إذا كانت رجاء الصانع استخدمت كلمة (عاونت) (collaborated)، فإنها تكون قد حرفت ما حدث فعلا.
يجب أن تكون الترجمة عملية يسودها التعاون المحترم بين كل من المترجم والمؤلف والمحرر والناشر، ولكن رواية (بنات الرياض) والمؤلفة رجاء الصانع ليسا مثالين مبهرين للتعاون والتآزر الذي تتطلبه هذه العملية. فعندما طلبت (بنغوين بوكس) مني ترجمة الرواية، قلت لهم بوضوح: إنني أحتاج مساهمة من المؤلفة فيما يتعلق باللهجة السعودية المحلية والثقافة الشبابية السائدة. وباستثناء سؤال أو سؤالين في بداية عملية الترجمة، فإن رجاء الصانع لم تستجب لطلبي. وبدلا من تقديم أجوبة لأسئلتي، أبلغت رجاء الصانع (بنغوين بوكس) بعدما قدمتُ مخطوطة ترجمة الرواية بالكامل، إنها لم تقبل ترجمتي وتريد أن تعمل عليها بنفسها. وسمح لها المحررون في (بنغوين بوكس) أن تفعل ما أرادت.
لقد عملت الصانع العديد من التغييرات والحذف، ما أدى ليس فقط لإضافة العديد من العبارات المبتذلةclichés (عبارات باللهجة المحلية وأمثلة شعبية) إلى النص ولكن أدى – وهذا الأكثر خطورة – للانتقاص من روح وتلميحات الرواية السياسية، وهو الأمر الذي يبرز في الرواية من خلال أسلوب اللغة الشبابي، والذي عملت على نقله للقارئ في ترجمتي. التغييرات التي عملتها رجاء الصانع، والتي تسببت أيضا في رأيي في خفوت صراعات الجندر التي تميزت بها الرواية الأصلية، ربما تكون أسهمت إلى ما اعتبر عموما وبشكل مفهوم في عروض نقدية سلبية للترجمة الإنكليزية لرواية (بنات الرياض).
(اعتراف بووث بمهارة الصانع)
ويا لها من مفارقة، لأنه في رأيي (ويختلف معي العديد من النقاد)، فإن رواية (بنات الرياض) هي عمل أدبي ذكي ومبتكر وذو بعد سياسي عميق، ولكن تدخل رجاء الصانع كـ (مترجمة) أضاع الكثير من ذلك التميز، ما جعل (بنات الرياض) بالإنكليزية أقل إثارة للاهتمام بكثير. وعلى أي حال، لم أعط أية فرصة للتعبير عن رأيي حول تعديلات رجاء الصانع على الترجمة؛ أي لم تتح لي فرصة، بعبارة أخرى، لـ(التعاون). وكان القرار الوحيد الذي سُمح لي به هو ما إذا كنت أريد أن يوضع اسمي على الغلاف!
الطريقة غير المهنية للغاية التي عاملتني بها (بنغوين بوكس) ورجاء الصانع هي حالة متطرفة، ولكنها ليست غير مسبوقة كاتجاه للتقليل من أهمية ومكانة عمل المترجم، كفنان مبدع وكخبير في الثقافة واللغة والأدب. وفي حين يبحث الناشرون عن مؤلفين (نجوم) لتسويقهم عالميا، ويسعى المؤلفون للشهرة، فإن مثل هذا التقليل من شأن الترجمة – وهي العملية الأدبية التي يجب أن تتم بنجاح إذا أُريد للعمل أن يكسب جمهورا عالميا - قد يصبح، للأسف، أكثر فظاظة مما يحدث بالفعل في عالم النشر الأدبي.
التغييرات التي عملتها رجاء الصانع تتماشى مع التهجين السهل الذي يعتقد الناشرون أن القراء يفضلونه، بدلا من التفاعل مع النص والثقافة الأصلية الذي يجبر القراء على التحرك خارج أفكارهم المريحة عن بقية العالم نحو معرفة شيء جديد. إنها – بالطبع - حلقة مفرغة. إذا جعلنا الجماهير التي تقرأ بالإنكليزية تتوقع أنها لا تحتاج للتفاعل مع الثقافات الأخرى وفقا للشروط الخاصة بتلك الثقافات (مثلا، في (بنات الرياض) هناك أساليب الشباب السعودي للتعبير عن الثقافة الاستهلاكية العالمية بلهجة محلية)، فإن تلك الجماهير ستبقى منعزلة على كراسيها الثقافية المريحة والسهلة، غير مدركين للخصوصيات الثقافية الغنية، والفروق السياسية، وتجارب القراءة الجميلة حد الدهشة التي مرت عليهم.
وأعتقد أن القراء يريدون أكثر من ذلك. وأن الأمر ليس مجرد مسألة ما يجري اختياره للترجمة. كما أنها مسألة تتعلق بكيفية تحول عمل أدبي عربي إلى عمل أدبي باللغة الإنكليزية، وما ينبغي تركه خارج الترجمة، بينما يتم نسج الرواية من جديد.
وخلال تجربتي الطويلة كمترجمة أدبية، وجدت أن الغالبية العظمى من المؤلفين والمحررين يحترمون عملي للغاية ويقدرون قيمة (التعاون) الحقيقي. كما أن معظم المؤلفين ليسوا متعجرفين أو (لاأخلاقيين) ؛ وعلى أية حال، وجدت معظمهم يحترمون المهارات الفريدة للمترجمين. ويمكنني القول - في الواقع – إن كثيرا من الروائيين يملكون خبرة وحساسية المترجمين الأدبية والمهنية، ولكن رجاء الصانع ليست واحدة منهم. ولكنني أيضا أخشى أن الاندفاع الحالي لاكتشاف (البست سيلر) العربي المقبل، سيكون ضحيته دور المترجم الحاسم في خلق فن دائم، وذلك على حساب الكتاب والقراء في كل مكان.
انتهى مقال بووث الذي نشر في (الأهرام ويكلي).
تعقيب د. حمد العيسى
من التنظير إلى الواقع:
وحتى لا أتهم بتقديم وجهة نظر واحدة لكوني متعاطفا مع المترجمة القديرة بووث، وهو ما لا أخفيه مطلقا، وحتى لا تكون صورة الترجمة الإنكليزية لـ «بنات الرياض» حالكة وفي اتجاه واحد كما ورد في مقال بووث، دعونا نقدم الأهم؛ أي رأي القراء من موقع مكتبة «أمازون دوت كوم»:
قام بتقييم الرواية 83 شخصا، وهو عدد كبير «نسبيا» لعمل مترجم، وكانت النتيجة كما يلي:
) 37 قارئا منحوها 5 نجوم.
) 25 قارئا منحوها 4 نجوم.
) 8 قراء منحوها 3 نجوم.
) 8 قراء منحوها نجمتين.
) 5 قراء منحوها نجمة واحدة.
وبذلك يكون التقييم الكلي لجميع القراء الـ 83 (3.98 نجوم) أي 4 نجوم تقريبا وكذلك منحها 75% من القراء الذي علقوا 4 نجوم وما فوق، وهي نتيجة أكثر من ممتازة، بل رائعة، لعمل أول (DEBUT) لأن من يهتمون بكتابة تقييم للكتب على «أمازون دوت كوم» هم القراء الجادون (النخبة)، وتدل هذه النتيجة على «المقرئية العالية» (High Readability) للرواية في النسخة الإنكليزية، وهذا المعيار تعتبره صناعة النشر أهم من رأي أكبر ناقد أو فذلكات أعتى مترجمة غاضبة.
والآن دعونا نختار لكم تعليقا طريفا على الرواية لقارئة كتبته على موقع «أمازون دوت كوم»
عنوان التعليق: أعمق مما تبدو
التقييم: (****) 4 من أصل 5 نجوم.
القارئة: إليسا باسكوالي (أمريكية من أصل مكسيكي)
التاريخ: 24 سبتمبر 2008
التعليق: أكثر ما وجدته إثارة للاهتمام في هذا الكتاب لم يكن فقط تصوير التوقعات المجتمعية (وتناقضاتها!) للنساء في المجتمع السعودي، ولكن حقيقة أن هذه التوقعات تنطبق حتى على البلدان «الغربية» ، بما في ذلك الولايات المتحدة. لقد نشأت في المكسيك، والعديد من المواقف التقليدية للنساء المسنات هناك، وكذلك الرجال الذين من المفترض أن يكونوا أكثر «تحررا» في المكسيك يعكسها هذا الكتاب. وكذلك أوصاف الرجال «الضعفاء» الذين يتزوجون نساء بسيطات غير متعلمات، على الرغم من أنهم يحبون ويعجبون بنساء قويات ومتعلمات، والنفاق الذي في هذا الأمر، وتأنث الرجال الذين يصبحون خاضعين لأسرهم والتوقعات المجتمعية لما ينبغي أن يكون عليه «الرجل الحقيقي»، وهي في الواقع توقعات لا علاقة لها البتة مع ما يحدد فعلا «الرجل الحقيقي». كل هذه الأشياء لاحظتها حتى في مواعيدي الرومانسية (Dates) مع الرجال هنا (وأقصد تحديدا: الأمريكان المولودين وتربوا في الولايات المتحدة). ووجدت من الرائع ، كيف أن ما لاحظته الصانع عن الرجال السعوديين ينطبق حتى على الرجل الغربي المعاصر الذي يُفترض أن يكون رجلا «حداثيا». قصة الصانع ليست عن بنات الرياض، لكنها قصة أية فتاة في أي بلد. انتهى تعليق القارئة إليسا باسكوالي. تهانينا لرجاء الصانع على ما ورد في «موقع أمازون دوت كوم» من تعليقات إيجابية على النسخة الإنكليزية من الرواية وعقبال تحقق أمنيتها بالحصول على جائزة نوبل للأدب كما كتبت في مدونتها ذات مرة قبل أن تختفي المدونة من الوجود لاحقا.