في قصيدة (أرجوحة المقبرة) التي تدعو القارئ للتساؤل عن نوع المقبرة التي تحوي أرجوحة؟ وهو ما لا يحتمله الواقع ولا يتوقعه القارئ. وهذا ما يفعله الشاعر ليجعل القارئ يبحث عن هذا الوضع الغريب والاستثنائي في المقبرة، فلمن الأرجوحة؟ ومن يتأرجح أو يتسلى بها؟ هنا يثور مع عناقيد الغبار فيها والثرى قلق الأسلاف والآباء كأوضح ما يكون، فهؤلاء الذين مضوا ما زالوا يلهون ويتأرجحون مقبلين مدبرين، حركة هؤلاء الأحياء/ الأموات في علو وانخفاض تثير مخيلة الشاعر وعزيمته فيقول:
«في علوّكِ
ما يجُرّ الموت لاخضرار الغسق
وما يُعلّق نورسةً
تُغَنّي على رسلها
في عنق الفضاء..»(10)
ولكن الشاعر يرى أن حركة الإرث المجازية المتمثلة في الصيغ والقوالب المتكررة ما زالت قائمة في الواقع وتحول المشهد إلى مقبرة حية، حركة الإرث في أرجوحتها تمثل قطب علو وقطب انحدار.
وإذا كان هذا ما يفعله قطب العلو من هذه الحركة فما الذي يفعله قطب الانحدار؟ إنه الاكتساح الذي لا يهمل الصباح ولا اللحن المسجى في اصفرار الورق، الاكتساح القوي لليفاعة والغضاضة التي لم تأخذ بعد حقها في بواكير الحياة؛ لذا منذ مطلع القصيدة يصرخ الشاعر بهذا الإرث/ العبء بهؤلاء المتنافسين الذين يضغطون على أعصاب الشاعر ووتره الشعري:
«بِرّاً بهذا الصباح
بِرّاً بالثرى
بعناقيد الغبار التي ما فتئت مُقمرة
تنفّسي أرجوحةُ المقبرة
ما غادرَ الطفلُ عُمرَه
واللّحنُ المُسجى في اصفرار الورق
يتقافزُ حَرفًا فحَرفًا». (11)
اللحن المسجى في اصفرار الورق لم يأخذ دوره بعد لأن علو أرجوحة المقبرة يجر الموت لاخضرار الغسق ويقيد أجنحة نورسة تغني على رسلها لذا يجأر النهام بالنداء لهذه المقبرة:
«برّاً بهذي الحياة البسيطة
برّاً بالجنى
بالرّصيف الذي
يُصادف العابرَ بالعابرة
غمستُ جناحي في المحبرة
تنفّسي
أرجوحةُ المقبرة». (12)
أما كيف يمكن للمقبرة أن تتنفس؟ فهذه هي مخيلة الشاعر التي ربطت المقبرة بالمحبرة، وجعلت الريشة جناحًا ما إن يغمس في المحبرة حتى يفتح القبر ويخرج الحرف المسجى في اصفرار الورق. وهذا التنفس هو البعث الذي يجعله حلمًا لقصيدة تريد أن تجدد، وأن تتبع أثر الآباء, وتتجاوز ما عجزوا عنه!! تلك مقولات الديوان وشعارات الشاعر فهل حققها أو سيحققها؟
من المبكر الحكم على ذلك وهذا الديوان يمثل أولى خطوات الشاعر، ولكن من المهم وضعه في إطاره من تلك الأحلام المشروعة والتأمل فيه من خلال منظور قلق التأثر وهاجس قتل الآباء أو على الأقل تحييدهم أو تجاوزهم!!
** ** **
هوامش:
1- نهام الخليج الأخضر (الدمام، مطبوعات، نادي المنطقة الشرقية. ط. الأولى 1431هـ- 2010م) ص11
2- المصدر السابق ص12
3- المصدر السابق ص13
4- المصدر السابق ص16- 17
5- المصدر السابق ص21
6- المصدر السابق ص22
7- المصدر السابق ص23
8- المصدر السابق ص29
9- المصدر السابق ص95
10- المصدر السابق ص 95
11- المصدر السابق ص96
12- المصدر السابق ص