* هل كانت تلك أذرعًا ثلاثة أم كانت أسنانًا؟ عُلويةً أو جانبيةً، لا يهمّ اتجاهها ما دامت قادرةً على مضغ الفرح أو اقتلاعه! كانت السنةُ الماضية وحشيّة، حتى وهي تلفظ أنفاسها في أيامها الأخيرِة، سلّمت نفحةً منها إلى أختها الجديدة قبل أن تموت! هل هو سباق تتابع؟!
* لم يكن ذلك لغزًا أوهرطقة، كل الحكاية أنّ العام الماضي الذي تصفه التقارير الإخبارية أنه دمويٌ بامتياز - نال الشعب السوري حصة «الأسد» من ذلك الدم - لم يستثنِ الأطفال أبدًا، وتتعدد الأسباب والموت واحد حقًا، الموتُ تجمدًا أو ذبحًا بسلاحٍ أبيض أو جوعًا أوقتلًا بالكيماوي أو قصفًا بالبراميل التي لا تبقي ولا تذر! كأنّ هذا كله تعدادٌ لأصناف طعامٍ على قائمةِ وحش! لكني واثقةٌ أن وحوش الحكايات كانت أرحم!
*يشار في الجغرافيا السكانية عادةً إلى الدول العربية بأنها دول فتيةٌ، لكنّ سوريا فيما يبدو ستخرج من هذا التصنيف قريبًا، بل يجب أن يكون لها تصنيفٌ مختلفٌ، فالكل فيها في مرمى النار، أطفالًا أو شبابًا أو شيوخًا، ما الذي سيبقى منها إذن ليكون معيارًا للتصنيف؟ اليابان مثلًا بدأت بعض مدارسها الابتدائية بالإغلاق لتتحول إلى دور لرعاية المسنين، الأمر الذي يثير مخاوفها بسبب نقص العمالة الماهرة المتوقع التي ستنهض بالبلاد، في حينِ أن المدارس والجامعات والحدائق وكل مظاهر الحياة تتحول إلى مقابرَ جماعيةٍ في سوريا وإلى طقوس عزاء وجنازاتٍ!
* الأضواءُ الملونة في حفلات الأعراس البسيطة، أو ورق حلوى «الماكنتوش» الملوّن الشّفاف الذي كنا نصنع منه نظاراتٍ نطلّ بها على العالم، كانت كلها تشكّل مفاهيمنا عن الألوانِ رغم سذاجتها، وحين كبرنا - خلال هذه الأعوامِ الثلاثة أكثر مما كبرناه في أعمارنا - صارتِ الألوان بلونِ الضباب تارةً والهباب تاراتٍ أخرى..كل القضايا تغدو محض عبث! حين أقرأ قول السوري ذي السنوات الثلاث بطفولةٍ مبتورةٍ: «سأخبر الله بكل شيءٍ»، ما الذي يبقى ليقال؟!
«ويا ربّ من أجل الطفولةِ وحدها
أفضْ بركاتِ السلمِ شرقًا ومغربا
وصُنْ ضحكةَ الأطفالِ يا ربّ إنها
إذا غرّدتْ في موحش الرمل أعشبا
ويا ربّ حبّب كلَ طفلٍ فلا يرى
وإنْ لجّ في الأعنّاتِ وجهًا مقطّبا»
بدوي الجبل