برغم أن مجالات العمل التطوعي التقليدية مهمة، إلا أن فضاء التطوع يحتمل الكثير ويحتاج للكثير. عادة نقرأ عن نشاطات شبابية تطوعية هنا وهناك، نتابع ونسعد، نشد على أيديهم مؤمنين بأن العمل التطوعي في السعودية بطريقه نحو النضوج بعد ثورة المشاركة في مختلف المجالات الإنسانية وتحديداً في أوجه الخير الرئيسية، ولكن المتابع لمبادرة (ترقيش) سيلفت نظره اختلاف الفكرة وخروج فريق العمل عن المعتاد في قائمة الأعمال الجماعية التطوعية والأكثر لفتاً للنظر هو توقيت إطلاقها ومستوى العمل المقدم رغم قصر عمرها!
بدأت الحكاية في الثامن عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2013م تزامناً مع يوم اللغة العربية العالمي، عندما أطلقت مجموعة تطوعية مبادرة لدعم اللغة العربية من خلال تصحيح الأخطاء اللغوية الشائعة والتركيز على إحياء مسؤولية المؤسسات الحكومية والخاصة تجاه العربية.
تعد مبادرة (ترقيش) @Trqeesh ثمرة مجموعة مبادرات فردية في ذات المجال لأعضاء فريق العمل (عبدالمحسن العنيق، عبدالرحمن الصالح، عبدالعزيز العمار، بيان التويم وياسر العبيد) الذين حملوا على عاتقهم هم إشاعة المصطلحات العربية والمعربة والسعي للحد من تداول المصطلحات الأعجمية وتقليل الأخطاء اللغوية الشائعة كتلك التي تعترضنا في حياتنا اليومية من لوحات، لافتات إعلانية، نماذج للبيع والشراء، مواقع إلكترونية والعديد من الوسائل الإعلانية المختلفة.
وبرغم أن المبادرة جديدة إلا أن حكاية الفكرة تستحق أن تروى حيث ذكر عبدالمحسن العنيق مدير المبادرة لـ(الثقافية) أن ترقيش بدأت بهمّ يجول في خاطر مُغرمٍ باللغة العربية ساءهُ انتشار الأخطاء اللغوية لدى المؤسسات بنوعيها الحكومية منها والخاصة، فأخذ يفكر في مشروع عملي يترك أثرا إيجابيا وينشر الوعي بالاهتمام بهذه اللغة الخالدة في الحياة الواقعية وعدم الاكتفاء بالماضي المشرق لها فبادر - حسب قوله - بتصحيح محتوى بعض المواقع وأرسلها للجهة المالكة ثم تفاجأ بتفاعلهم وتجاوبهم الذي بلغ اعتماد وظيفة مدقق لغوي لديهم. هذا الأثر المباشر جعله يفكر جديا في تطوير العمل وبدأ رسم ملامح ترقيش الأولى.
آمن فريق (ترقيش) بنشر رسالة تصحيح الأخطاء اللغوية في الشارع والسوق وغيره وأن تلك مهمة تمتد خارج حدود فريق العمل فالأخطاء اللغوية وفق وجهة نظرهم شاعت ووصلت لجهات تعليمية عامة وعليا حين غاب الاهتمام وتعطل قسم التحرير والتدقيق أو ضَعُف.
المبادرة تقدم ثلاث خدمات (راقش، راقم، عربي) عبر (راقش) يتم مراجعة المحتوى في مواقع المؤسسات ومنشوراتها، وعبر (راقم) يقوم فريق العمل بعصف ذهني للخروج بأسماء عربية مقترحة لمن يطلبها ليجعل خدماته ومنتجاته مزينّة بأسماء عربية فتكون قريبة من المستهلك ومرتبطة ببيئته وثقافته. أما (عربي) فهي خدمة تشجيعية يعلن فيها عن منتجات وخدمات تحمل أسماء عربية، وتبرز الجهات المهتمة بسلامة اللغة العربية في مخاطبة عملائها.
أوضح العنيق أن جمهور المؤسسات التجارية والحكومية هو الهدف الأول في مسيرة (ترقيش) حيث أن تأثير الأخطاء اللغوية الصادرة عن هذه الجهات كبير جداً تألفه الأذن والعين سماعا وقراءة. مشيراً إلى أن فريق ترقيش يؤمن بأن كثيرا من هذه الجهات يمكنها توظيف مدققين لغويين لمراجعة المحتوى المنشور على عكس الأفراد محدودي الإمكانات والتأثير بالإضافة إلى أنه - حسب قوله - بعد مسح سريع للمبادرات المشابهة وجدوا أن العديد من المبادرات المميزة مثل (جابر عثرات الكرام) و(ساهر الإملائي) و(المصحح الإملائي) وغيرها تركز على تصويب الأخطاء اللغوية لدى المغردين، فاختار فريق ترقيش استهداف المؤسسات.
مؤكداً أن المبادرة لن تكون تجارية أبدا، وغاية ما يطلب من عملاء ترقيش هو الدعم من خلال نشر المبادرة بتغريدة أو إعلان وما شابه مقابل الخدمات المقدمة.
وعن اختيار اسم (ترقيش) تحديداً أوضح أن هذه المبادرة تهدف لتحسين الكتابة ولغة التواصل التي تستخدمها المؤسسات مع جمهورها وعملائها؛ لذا كان لزاما على الفريق أن يجد اسما عربيا فريدا يحمل هذه المعاني ويكون سهلا ومُلائمًا، وبعد تفكير ومشورة وقع الاختيار على (ترقيش) الذي يدل على حسن الخط والكتابة كما جاء في لسان العرب.
ترقيش حالة فريدة إن صح التعبير فمطلق المبادرة متخصص في اللغة الإنجليزية وفريقه من غير المتخصصين باللغة العربية؛ إلا أن لغتهم العربية جيدة ويصححون حسب معرفتهم واطلاعهم - وفق قوله - موكداً أن ترقيش تهتم بالجودة والتأثير قبل الشهادة، بالإضافة إلى أنهم يستعينون بخبراء باللغة العربية مثل فهد التركي المعروف بتصحيح الوسوم في تويتر وعبدالله الشهري المدير لحساب (من الفصحى إلى النهضة).