الصحوة خدمت الحداثة
تبدى للصحوة أن الحداثة هي العدو الأخطر، فوجهت سهامها لها، كانت الحداثة نخبوية وشبه أكاديمية، ولكن هجمة الصحوة عليها لفتت النظر إليها، وكانت الحداثة فئوية ومحدودة العدد ولكن هجمة الصحوة ضخمت الصورة بأضعاف حقيقتها حتى وضعتها في واجهة المنابر، وفي المقابل فقد كنا نعرف حجمنا ونعرف ألا طاقة لنا بالقوم ولذا اتبعنا أسلوب المناورة التكتيكية، ووظفنا هذه الهدية المفاجئة عبر الحضور الجماهيري منبريا وصحفيا، وجعلنا من المقالة والمحاضرة وسائل لكي نقول ما عندنا متجنبين الاحتكاك المباشر، وهذا ما فعلته شخصيا في ليلة في النادي الأدبي بجدة (عام 1985) وكان فيها أربعة من شعراء الحداثة وأنا مدير الجلسة، وقد كان الجو مهيئا للانفجار بسبب الحضور المفاجئ لحشد من مناوئي الحداثة،ولكني نظمت الجلسة على أربع مراحل قسمت فيها المداخلات بين مؤيدي الحداثة ومناوئيها، وذلك لكي يتمكن كل فريق من قول رأيه دون تشنج بدعوى منعه من المنصة، وكان همي الأول حينها أن تسلم لي المنصة ولا يقع حادث يحرجني شخصيا ويحرج منبر النادي لو اتهم بالإقصاء والانحياز، ومرت تلك الليلة بسلام حيث قال كل طرف ما عنده دون مصادمة مباشرة، وإن كنت لجأت لهذا لحظتها بحدس سريع لكنه تحول لإستراتيجية لي في كل أمر جماهيري أكون فيه، أي بطرح الفكرة بكامل وجوهها ولكن بشروط منهجية وتواصلية هي:
أولا ـ تجنب الانجرار لمواجهات تصرف القضية لغيرها.
ثانيا ـ ضبط النقاش في النقطة المحددة ومقاومة الخروج عنها.
ثالثا ـ دفع الطرف المقابل ليكون منهجيا مثلك بأن تعيده للنقطة المحددة كلما ابتعد عنها.
رابعا ـ عدم التسليم له باستفزازك مهما غلط عليك برأي أو تلفظ.
والقانون هو أنك إذا سمحت لأحد باستفزازك فأنت تعطيه سلطة على أدق مشاعرك وتخسر الجولة تبعا لذلك ،وهذا درس اضطراري تعلمناه من مفاجآت المواقف وحساسيتها الجماهيرية بحيث تخفف توتر الجمهور ومن تم تمرر رسالتك، وبذا خدمتنا الصحوة دون قصد منها حيث شاعت أفكارنا وحيث تعلمنا مهارة المناورة الفكرية ما دمنا في موقف ضعيف والخصم في موقف لا طاقة لنا به.