الأحد: أوراق!
كانت المفاجأة، إذ أكتشف وأنا أرتب أوراقي من جديد، وجدت لقاءً مع الحبيب، والمعلم العملاق الراحل الدكتور عبد الرحمن منيف، كنت قد أجريته معه لــ (روافد) بجريدة البلاد الذي كان يشرف عليه الصديق عبد العزيز الخزام، ونشر في أكثر من جريدة حينها، وأكثر من مجلة عربية، ومنها المجلة الأدبية الرصينة (أدب ونقد) والتي جعلته موضوع غلافها الرئيسي عام 2001م. وما يعنيني في ذلك الحوار مع الروائي الأستاذ عبد الرحمن منيف، هو ما جاء في الحوار الذي قلبنا فيه أوراقاً كثيرة، طالت مسيرته النضالية والحياتية والأدبية الطويلة، ونتاجه الروائي الملحمي الثري على مدار عقود طويلة، وتوقفنا في محطات المدن والغربة والنضال مع الشخوص والأحداث، فانفرطت مسبحة القلب والذاكرة بتوسع على رواية (قصة حب مجوسية) و(حين تركنا الجسر) و(النهايات) و(سباق المسافات الطويلة) وظلت (الأشجار واغتيال مرزوق) الرواية التي بحق تستجد في هم المثقف بعالمها العجيب، ودقة تصوير معاناة الإنسان العربي، والسعي للبحث في كيفية الخلاص من القيود التي تلاحقه.
عبد الرحمن منيف الذي ظل يحكي لي شهورا في ثلاث سنوات متتالية، كنت أزور فيها دمشق الفيحاء، ونلتقي في مقهى صغير لئلا يزدحم بنا المكان، أو حيث كانت تسمح لنا السيدة سعاد حرمه في داره، ورافقني في مرات نادرة الأصدقاء محمد السيف ومحمد القشعمي، وحكى لي عن حالات التشرد والسجون والعذاب، ومررنا بالحديث في مرات عن مباريات الدوري السعودي والمسلسل الكوميدي طاش وما طاش، كان هذا قبل أن يغرقنا الحديث في (أرض السواد) الممتلئة بالحزن والقهر في العراق، وقد رحل عنها قبل أن يراها محروقة مع الشام التي دفن بها، لن أستطع نقل كل ما دار بيننا هنا - لكني حتما ما أزل أسمع كلامه يرن في إذني : (إني أكتب لأبناء شعبي ولن أكتب للجوائز) رحم الله عبد الرحمن منيف، لقد عملتني الكثير مما لم ولن أبح منه إلا بالقليل!!.
الاثنين: موعد مؤجل!
الروائي إبراهيم الناصر الحميدان، لم أعد أجد إذا استبد بي القلق أو الوحدة طريقاً يأخذني إليك، ولا فضاء يؤويني، إذا ألمّت بي الهواجس والوسواس، افتقدتك يا سيدي... لقد تعلمت بعد رحليك معنى الفقد، ومعنى العدم، وفقدت كثيرًا برحيلك، وكثيرًا جداً من خصائص وفصائل معنى الصداقة، ما زلت تحضر في البال، لكنك لم تعد تشاركني الأفكار، وتحرضني الرحيل إلى النادي الأدبي، ودعوة جماعة السرد، والبحث عن جديد القراءة والكتابة، وكنت شيخها وسيدها، صار الطريق مظلماً، والحروف كلمات مزيفة باهتة، والوجع أرواح متوحشة.. لن أكمل.. فسيظل في البال حديثاً مؤجلاً إلى لقاء بك... إلى نقاء!!
الثلاثاء: ورحل دكتور جورجي!
أصبت بحزن شديد لما عرفت برحيل طبيب القلب بمستشفى الأمير محمد بن عبد العزيز اللبناني الدكتور جورجي الذي أنقذ حياتي بعد إرادة الله من جلطة في القلب بعد ما تعرضت لطرد من مستشفى الحرس الوطني على يد طبيب سعودي، تعذر كاذباً بأنه ليس لي ملف أو هو مقفل، والواقع أنه ربما لم يعجبه اسمي أو شكلي..
الطبيب اللبناني دكتور جورجي الفيلسوف في اللاهوت، حالما عرفت أثناء مراجعتي برحيله رحمه الله، صعدت إلى مكتبه، لتعزية ممرضيه والطاقم الطبي المرافق له، ودهشت جداً حينما عرفت أنه رحل بعد ما أصيب بنوبة قلبية، وهو نائم على سريره في بيته، وسبحان الله طبيب يداوي الناس وهو عليلُ..
الأربعاء: دوستويفسكي العظيم!
حرصت أن تكون أعمال الروائي العالمي دوستو يفسكي، أولى الأعمال الروائية المحلية والعربية والعالمية، تحتل مكانها اللائق في ركن من مكتبتي المتواضعة بعد إعادة ترتيبها وتحديثها، فلا شك أني من قراء الأدب الروسي وعشاقه، والقارئ في المملكة يدرك أنه قبل أن يمنّ الله علينا، ويتواجد معرض الرياض للكتاب بين ظهرانينا أولاً، وفرص نوافذ إلكترونية تمكن القارئ من الاطلاع على أي كتاب يريد قراءاته ثانيا، يعرف أنه بيننا وبين الرقيب ما صنع الحداد، وألف حاجز وحاجز وبالذات إذا كان كتاباً روسياً، وأذكر إذ كنت في زيارة لمكتبة التقدم في القاهرة مطلع الثمانينات، وهي المعروفة ببيع كتب الآداب الروسية، وحرصت على الخروج منها بكتب أدبية روسية، رواية وشعر وقصة ودراسات ومنها (المراهق) و(الجريمة والعقاب)، وكتب أخرى لا تزال بين الركام لدوستويفسكي، وكنت مطمئناً لأن صديقاً وأحد موظفي وزارة الإعلام (المطبوعات) حينها، كان يرافقني ولا بد أن تمر الكتب مهما كان من المنفذ، وقد حدث وله ألف شكر وهو بالمناسبة أحد كبار كتاب السرد، أما الأعمال الكاملة لدوستو يفسكي ترجمة سامي الدروبي، ولو بدت هنا - ناقصة من أجزائها السبعة عشر فحكايتها مختلفة، وقد جلبها كاتب عربي لنائب رئيس تحرير إحدى الصحف، وكان هذا النائب لا يقرأ ولا يعرف يكتب أيضاً، والكاتب العربي هو من يكتب له زاويته في كثير من الأحيان، وبالتالي جلب له أعمال دوستو يفسكي التي لن يقرأها ولا يعرف قيمتها، فظلت لفترة في كراتينها في ركن من مكتبه، فتربصت به وقد شكلت له زحمة، وهانت عليه فطلبتها منه، وكانت المفاجأة، إذا قال بكل بساطة ضاحكاً : خذها.. أخذك الله!
وأخذتها... هههه الغريب هنا - أنها الآن ناقصة ثلاثة أجزاء ولست أعرف، هل سأجدها بين الكتب التي ما تزال مكدسة في مكتبتي، تنتظر دورها في الفرز، أم أني بدوري فقدتها كإعارة... وهذا ما لا أستبعده!؟
الخميس: نفايات
أيها الواقفون على المنفعة، الأيادي وأرواحكم مشرعة، لظنون المسافات هي جائعة، فبؤس بها وبكم مجرد نفاياتنا العائمة!
الجمعة: عبرة!
ليس هناك أبلغ مما جاء به القرآن في مواقع متعددة، من معنى فلسفي في جدلية الإنسان، وبالذات في ما يعني الطغاة، وبأنهم قومٌ لا يعتبرون إلا بعد فوات الأوان!