Saturday 10/05/2014 Issue 437 السبت 11 ,رجب 1435 العدد
10/05/2014

التعليم إلى أين؟ «2»

الورش التعليمية تكون محدودة - إن لم تكن معدومة - الفائدة حينما لا يتم اختيار المشاركين وانتقاؤهم بعناية، وحينما لا يتم انتخاب الكفاءات الطليعية المؤثرة في هذا السياق التنموي الهام.

تلك الورش تفقد جدواها وتذهب ريحها وتتلبسها حالة من الفشل الذريع إذا لم يكن المعيار في الاختيار هو ارتفاع منسوب الكفاءة والتوفر على محددات التأهيل.. حينما يتم القفز على هذا المعيار أي حينما يكون الاختيار خاضعاً للمحسوبيات والعلاقات والواسطات فمثل هذا يعني العبث بمستقبل الوطن, إنه يعني إهدار مستقبل الأمة والتلاعب بمصير أبناء الجيل!.

إن تخلف هذا المعيار - معيار الكفاءة - أو حضوره ولكن على نحو باهت أمر من شأنه أن يحيل أي فعالية من هذا القبيل إلى فعالية شكلية صورية، وذلك بفعل افتقارها لأبرز عوامل نجاعتها والحقيقة أن المتأمل في كثير من تلك الفعاليات يلحظ غياب هذا المعيار وبصورة ملحوظة فثمة قدر كبير من ضحالة التأهيل وهشاشة البنية المعرفية.

إن ضحالة البُعد المعرفي تأبى إلا أن تجعل من صاحبها حرفياً بامتياز على نحو يحدوه ليخلط وبعفوية متناهية بين النصين العلمي والأدبي فيتعاطى مع النصين بآلية قرائية واحدة، إنه يماثل بين المختلفين دون أن يعي المحددات الفارقة بين القوالب المتباينة, يساوي بين المتفارقين دون أن يستشعر أدنى غضاضة في ذلك، ولذا فكم من نص أدبي تمت إدانته والطعن في بُنيته وحشره في زاوية ضيقة، ومن ثم إقصاء مبدعه وبالتالي المطالبة بحذفه من المنهج أو بتره لا لشيء إلا لأن هذا القارئ البسيط يمارس ضرباً من الفعل القرائي المتسم بالحرفية المتناهية، ولذا فهو لا يعرف أثر القرائن المقامية ولا يدرك طبيعة التحولات السياقية وأثرها في تحوير مدلول الجملة، وبالتالي فهو يقف موقفاً معارضاً للنص وهو بطبيعة الحال ليس موقفاً منهجياً متماسكاً وبمعايير علمية محكمة خالية من التحيزات بقدر ما هو موقف بدائي في العمق, موقف لا يأخذ في اعتباره أن المفردة الأدبية بطبيعتها مفردة حمالة متخمة بالدلالات مثقلة بالإيحاءات غنية بالظلالات مكتنزة بالإيماءات مفعمة بالإشارات, هذا الموقف يتم اتخاذه ببراءة تلقائية! ومع أنه موقف لا منهجي إلا أنه يأبى إلا أن يظل محتفظاً بمقومات بقائه على نحو لا يكرس حقائق المعرفة المجردة بقدر ما هو طارد لكافة صورها.

المعرفة هنا تعاني لوناً من الغربة وترسف بأغلالها، ولذا فهي تشهد تراجعاً مكثفاً بفعل تنامي مستوى الحرفية وكثافة حضورها وزخم سلطتها وحجم تسلطها ومن ثم استئثارها بمفاصل المشهد القرائي والكارثة هنا تعظم حينما يصور هذا الموقف بأنه هو موقف تنطوي حمولته على أبعاد شرعية وهنا تعظم الإشكالية حيث تجري شرعنة ما لا ينطوي على مسوغات الشرعنة.

ولا غرو, فتواضع سوية الأداء المعرفي هو ما يجعل القارئ يفهم المراد على غير وجهه لأنه يشتغل على طاقة نصية أكبر وبكثير من مقاساته الذهنية وإمكاناته الذاتية، وبالتالي فمن الطبيعي جداً أن يخطئ في فهم النص، ومن ثم يقع في آفة التقويل وتحميل المقول ما لا يحتمل!

إن القارئ البسيط حالة يمكن تفهمها في السياق العام، لكن الذي يستعصي على الفهم هو كيف تصدر مثل تلك القراءات البسيطة ممن يوكل إليه مهمة تطوير الواقع التعليمي وإعلاء مستوى حضوره، فضلاً عن صياغة الوعي العام عبر مباشرة الفعل التصحيحي وترشيد مسارات المنهج الدراسي، فهذا هو ما يدعو للدهشة والتساؤل والاستغراب وإعادة النظر!

إن إسناد الأمر إلى غير الراسخين في تخصصاتهم - في كل مجال سواء في المنظومة التعليمية أو غيرها - هو ما يحدو بكثير من ذوي الكفاءات المتدنية بل وذوي القدرات الهزيلة إلى التطلع لا إلى المشاركة فحسب بل والتشوف إلى تسنم مناصب قيادية، وحينما تتاح الفرصة ويفتح الباب على مصراعيه وتُحكم «البراجماتية» قبضتها فلا تسأل بعد عما تكرسه من أشكال المحسوبية وعما تصنعه من مناخات فوضوية، حيث سيتبوأ المواقع التأثيرية من لا يتوفر على العدة المعرفية المعتبرة ممن يجد نفسه فجأة صاحب قرار, يجد نفسه وعلى حين غرة صاحب رؤية مع أنه غير مؤهل! هنا حالة تنافرية في الصميم بين الحالّ والمحل.

إن الأمر حينما يسند إلى غير أهله سيجد الرأي العام ذاته أمام حالة من اختلاط الحابل بالنابل وامتزاج السمين بالغث، وهو الأمر الذي حينما تتصاعد وتيرته وعلى نحو مرضٍ، فسيفضي بالضرورة إلى إرباك المنظومة العامة وتحفيز مكوناتها على انحدار مخيف سيكثف تلقائياً من فرص فشل الاستثمار في الإنسان.

- بريدة Abdalla_2015@hotmail.com