Saturday 08/11/2014 Issue 450 السبت 15 ,محرم 1436 العدد
08/11/2014

العملاق (2)

أيها العملاق: أنت أشرت إلى أنيِ أتحدث عن التاريخ كثيرا، ولكني لم أرك إلا هذه اللحظة، أطارحك الأحاديث فيها فكيف تعرفني فقال العملاق عجبا: أنسيت أن الإنسان القديم يتلبس بالجن ويتلبس الجن به وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك مع أن الأمر حجب عنكم أمة محمد صلي الله عليه وسلم، فالإنسان استعان بالجن على نوعيه المؤمن والكافر، والإنسان استعان بالجن في بناء المدن في عهد الفراعنة وما قبلهم وأردف العملاق يقول: فأنت قرأت ما دونه التاريخ عن المدن الجميلة التي وصفها المؤرخون، وقد حجبت عن الأنظار أو علا عليها التراب أو اختفت تحت الرمال في الربع الخالي أو الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا وبمحاذاة النيل فقلت :كنت أظن ذلك من نسج الخيال مع أنني وقفت طويلا عند وصفها وجمالها وقدرة الإتقان وصناعة المكونات لها فإن كثيرا من المؤرخين يعودون بذلك إلى الاستعانة بالجن، وقد شاع في الحديث عن عثور أحد الصحابة على مدينة أرم ذات العماد ثم اختفت وقد طافوا المعمورة سيرا على الأقدام من أجل جمع مواد القوة من الحجارة الصلدة ومكونات الجمال والغرابة فيها والله منحكم قوة في الأبدان وقدرة في العقول والاستعانة بالخوارق فقال العملاق بلى: إن الملوك الجبابرة الذين ملكوا المعمورة ومن هم أقل منهم من السلاطين يجمعون في مجالسهم كبار علماء الدين، وكبار علماء الحكمة وكبار علماء السحر، وكبار علماء الكهنة، وعلماء الشعبذة والشعوذة،وهم يستشيرونهم، ولقد سخر الله لسليمان أفواجا من الجن فبنى الجفان والتماثيل، كما ورد بالقرآن الكريم بصراحة ووضوح. قال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}.

ثم واصل العملاق حديثة :فالاستعانة بالجن ما زالت معي ِ منذ ذلك الزمن فهي عرفتني عليك حين تبتعد عن الكهوف ولا قدرات لي على الاستماع في مجالسكم أو ميادين الدرس والمحاضرات، ولكنى لا أستفيد منها إلا عند الضرورة فهي محجوبة عني إلا وقت الحاجة.

فقلت: فإنك لا تستطيع الدخول مع أبوابنا، ولا تحملك كراسينا ومقاعدنا، فقال :وكذلك القاعات والمحاضرات وفوق ذلك أنني أحٌدث لكم رعبا تنسون معه الفكر والخطابة والجدل.

وقال وكثيرا ما اختفيت عن لقاء الإنسان، وطلبت مساعدة الجن كيفما تصلني المعلومات وحتى لا أصٌير كثيرا من البشر مجانين من الرعب والرهبة فقلت: نعم قد أشار القرآن إلى هذه قال تعالى: « {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا}»: وقال القرطبي حول هذه الآية (أي من السماء ومقاعد موضع يقعد في مثلها لاستماع الأخبار من السماء يعنى أن مردة الجن كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يلقوها إلى الكهنة، فحرسها الله تعالى حين بعث رسوله بالشهب المحرقة،وأشار إلى أن انقضاض الكواكب وراء الشياطين لم يحدث إلا بعد بعثة رسول الله محمد صلى الله عليه. ولم تكن هناك حراسة بين بعثة موسى وعيسى عليهما السلام « 12:10 تفسير القرطبي فأنت أيها المعمر تقر بالتعاون مع الجن قال: نعم وقد سخر الله ذلك ولكنه فيه مخاطر كثيرة.

ثم قال: وقد أنست بك حين تتلوى حول الكهوف أو تقف مطولا عند الآثار القديمة فأنا أراك تارة وأنا أنطوى في الكهف كأنني من الحجر، وتارة أستخدم الجن كيفما أعرف ما يدور في خلدك وكدت ذات مرة في آثار البدع في الحرة التي تعلو قمة الجبل فكدت أن أفزعك كثيرا باختطاف أبنك حين وليت مسرعا لتناول مكونات السكر وتركته يصور فكدت أن أخطفه ساعات معدودات غير أنني خشيت من العاقبة عليك وعلى أبنك الذي أخلف الطريق وأنحدر مذهولا نحو الوادي والطريق الإسفلتي العام فهو طفل صغير لم يتمرس على البراري.

فقلت: جزاك الله خيرا فأنا قد فزعت حين ألتفت ولم أره فكيف لو حجبته عنى لكانت القاضية أو القاصمة فالحمد لله إن منعك من المزاح الثقيل.

فقال العملاق: الاستعانة بالجن هذه قضية شائكة في زمنك فيها اختلاف كثير لكن أليس يتحدث الجن على لسان بعض المرضى، وفي جوف العجل ولسانه حتى أقنع به السامري اليهودي في غياب موسى عليه السلام وكذلك السحرة معه وهم صدّقوا بالصوت وأشركوا مع الله ولم يفكروا في مخلوقات الله الأخرى والقدرات الربانية العظيمة فأغراهما صوت الخوار فقط. وقال :لا بدَ أنك قرأت عن هاروت وماروت فقلت نعم وما خبرهما عندك فقال:هما ملكان اعترضا على خطأ الإنسان وفساده في الأرض فأراد الله أن يبتليهما وأن يلحقهما بالإنسان إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}. وكذلك اختبار حمل الأمانة وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا.

فلم يستطيع هاروت وماروت مقاومة النفس الأمارة بالسوء وهواها فتعرضت لهما امرأة جميلة فراوداها،بعد محاولة العفاف وقد طلبت منهما جرائم فعاودت لهما المرة تلوا الأخرى حتى تعلمت منهما كيف تصعد إلى السماء فارتفعت وتركتهما فهي نجمة الزهرة الساطعة، مغرب كل يوم، فقال الحسن البصري :في تفسير هذه الآية :نعم أنزل الملكان بالسحر ليعلما الناس البلاء الذي أراد الله يبتلى به الناس، فأخذ عليهما الميثاق أن لا يعلما أحدا حتى يقولا :»إنما نحن فتنة فلا تكفر «306:1 تفسير ابن كثير وحديث المرأة من دومة الجندل التي أرادت أن تتوب أمام الرسول وقد تعلمت السحر على يد الملكين بابل هاروت وماروت فوجدت الرسول صلى الله عليه وسلم قد توفاه الله وعرضت الأمر على عائشة رضي الله عنها فلم تفدها بشيء.

فقال العملاق: استفدت منك مواقف الرسول وأمتكم من السحر وقد أطلت الحوار وجزاك الله خيرا، فإنني لي زمنا طويلا عنه منذ فقدت الأصحاب بالموت وعشت وحيدا.

- تبوك Masd_300@hotmail.com