كسبت الحملة الإعلامية التي يقودها منسوبو جمعية الثقافة والفنون فيما يسمى بـ»الأزمة المالية» تعاطف كثيرين، وهي في نظر رئيس مجلس إدارة الجمعية حرائق مالية كما جاء في حواره يوم تكريمه في اثنينية الخوجه بجدة قبل عام.
ولا أعلم كيف يصف هؤلاء ادعاء كهذا ومخصص الجمعية سنوياً 13 مليون ريال تمنح لفروع جمعيات لا تقدم شيئاً يعتد به، ولا تحظى بتقدير المشتغلين في المجالات التي تعنى بها، ولا يمكن الاعتداد ببرنامج واحد على امتداد فروعها الستة عشر!
وربما كان أهم نجاحاتها ابتكار الأعداء مستعيرين ذلك من كراهية بعض الأطياف للموسيقى فظنوا كل المجتمع عدواً لما يخطر ببالهم فآثروا السلامة مع اصرارهم على لفظ الثقافة في الاسم ومعه تسعى لمحاكاة الأندية الأدبية الثقافية، وتتقاطع معها فتقدم أحياناً إصدارات متواضعة، وتصرف ميزانياتها في غير مضانها.
ويجدر بالجمعية قبل المطالبة برفع سقف الميزانية الافصاح عن مجالات صرف الميزانيات الراهنة يضاف إليها مبالغ الدعم التي تحصل عليها من جهات أهلية وأفراد، كما يحصل في فرع جدة، ولا نعرف من يراقب كل ذلك؟!
ونذكر هنا الدعم الذي قدمه رجل أعمال واحد في جدة حيث تبنّى معرض «جدة آرت ويك»، وأسهم في بناء قاعة الفنون التشكيلية، وتبنى إنشاء جائزة خاصة. وإلى ذلك قدّم الفرع دورات مدفوعة الثمن في التصوير الفوتوغرافي على سبيل المثال؛ وهذه موارد يجب أن يعرف الجميع مقدارها وكيف تصرف، وألا يترك الباب موارباً بدعوى الفرار من «الحرائق المالية»!
والذي يبدو أن الجمعية تنقصها الرؤية وتحديد الأهداف، وتفتقد حسن الإدارة؛ وهي في بعض فروعها تعتمد على متعاونين عابرين، وقد لا نسمع أصواتهم إلا عندما تشح الموارد وتتوقف مكافآتهم الشهرية؛ وهي فيما يبدو سر بقاء كثيرين منهم.
ولعل الجمعية تعيد النظر في هذه الجوانب وتسد منافذ الحرائق المتتابعة التي صنعت إدارة ضعيفة، وغيبت ثقة كثيرين في نشاطاتها. ولعلي هنا أورد بعض النماذج تخص فرع جدة مثل الفشل في تدشين قاعدة البيانات الضخمة التي قدمها الفنان المعروف أحمد فلمبان، وأعلن عنها الفرع، ولم تر النور رغم مرور السنوات، ولم تفعّل لائحة مراقبة وإعادة تأهيل الصالات التشكيلية الأهلية في جدة؛ وهو برنامج روّج له الفرع في أخبار صحفية ثم ترمّد سريعاً، وقدم حفلات تكريم لبعض الفنان الرواد دون عمل توثيقي يقرّب الجيل الجديد من هؤلاء مثل الكتب المطبوعة والأقراص الصوتية المدمجة لفن هؤلاء.
وقال الفرع إنه أنشأ واحدة من أكبر صالات الفن التشكيلي في الشرق الأوسط، وهي لا تتجاوز عدة أمتار كانت في الأصل مكتبة للنادي الأدبي، وهذه التفاصيل وغيرها من مصروفات رؤساء وأعضاء اللجان دون عمل مستمر يعوّل عليه دلائل على ضعف الإدارة، وغياب الرؤية، والتسرع في نشر أخبار مخادعة عن نشاطات هلامية يتراكم معها فقد الثقة عند المستهدفين ممن تتوجه إليهم الجمعية.
ولعل سبب ذلك حرص الجمعية على الاستفادة من وقت المتحدث الإعلامي ليبث أخباراً مغلوطة أو ناقصة عن نشاطات لم تبرح مخيلة أصحابها أو وقعت أسيرة للنمطية وعدم الانتماء الحقيقي للفن والثقافة وهذا أشد فداحة من «الحرائق المالية» التي قد نردد معها «...وإن من بدأ الملهاة ينهيها»!!.