إن للعشاق شِرعةً ليست لسواهم، وطريقة لا تنبغي لأحدٍ غيرهم، وسلوك.. يثير من الإعجاب بقدر ما يثيرهُ من الشفقة، ويبعث على التقدير بقدر ما يبعث على الرحمة، فهم نهاية منتهى الإنسانية.. وبداية الميتافيزيقيا...
لديهم تنتهي غرائب الأخبار.. وعجائب القصص والآثار، ومنهم يبدأ المدهش من الحقائق، وأفجع النهايات المتخيلة.. وغير المتخيلة..
فلو كنت مبصراً عفراء، إذ بلغها موت عروة بن حزام فخرجت منتدبة، وهي تبكي... وتذيب الصخر معها، وقد شقت جيبها.. وصكت وجهها، وصرخت:
ألا أيها الركب المحلون ويحكم
بحقٍ نعيتم عروة بن حزامِ
فلا نفع الفتيان بعدك لذةً
ولا رجعوا من غيبة بسلامِ
كأنك تبصر الحياة في عيون هؤلاء العشاق مسرحية، تتصاعد الأحداث في كل حين.. بين العاشقين، أو بينهما وبين الحياة، فإذا مات أحدهما أرخى المسرح الستارة، وماتت الأحداث.. والقصة.. والممثّلون، وذابت الجماهير في كراسيها..
وكأن هناك أناساً جاؤوا ورحلوا، فقط، ليتركوا لنا قصصاً أبلغ من خيالاتنا، وأصدق من وقائعنا، اجتازوا بها.. المنتهى، وتجاوزوا حدودهم المكانية والزمانية، واكتفى الآخرون بالنظر لهم.. كلوحة على الحائط.. رائعة بقدر ما هي دامية، وشائقة بقدر ما هي حزينة، ومشوِّقة بقدر ما هي مبكية...
فها هي بثينة معشوقة جميل، عندما بلغها موت عاشقها، تقول:
وإن سلوى عن جميل لساعة
من الدهر ما حانت ولا حان حينها
سواءٌ علينا يا جميل بن عامرٍ
إذا مت بأساء الحياة ولينها!!