Saturday 08/03/2014 Issue 431 السبت 7 ,جمادى الاولى 1435 العدد

بحث نادر لبروفيسور نبيل دجاني (3-3)

خرافة اسمها (حرية الإعلام) في لبنان

نواصل مع الحلقة الأخيرة من بحث فريد ونادر للدكتور نبيل دجاني أستاذ الدراسات الإعلامية في قسم العلوم الاجتماعية والسلوكية في الجامعة الأميركية في بيروت:

مشكلة وسائل الإعلام في لبنان ليست قضية الرقابة أو عدم وجود بيئة إعلامية حرة، بل المشكلة الأساسية لوسائل الإعلام اللبنانية هي فهمها المشوه لمعنى الحرية، حيث تُحمى المصالح الخاصة بشكل مفرط باسم الحرية وتأخذ الأولوية على المسؤولية الاجتماعية. ويتم استغلال مفهوم (حرية التعبير) لإعطاء وسائل الإعلام وضعا خاصا فوق الأنظمة والمؤسسات الاجتماعية، ما يجعل مصطلح (حرية المعلومات) (Freedom of Information) أكثر مصطلح يساء استخدامه في اللغة العربية.

الزعم بأن وسائل الإعلام لا تعكس سوى الواقع، وأن المسؤولية عن أي أجواء سياسية سلبية في البلاد تقع على عاتق السياسيين غير دقيق. ولئن كان صحيحا أن وسائل الإعلام تستمد مضمونها من الشعب والحكومة، فمن الصحيح أيضا أنها تلعب دورا فعالا في اختيار وتشكيل محتوى تلك المضامين. تحدد وسائل الإعلام أجندة الأحداث، وبالتالي تلعب دورا رئيسا في تحديد القضايا التي ينبغي مناقشتها من قبل الجمهور.

تطلب كافة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والاتفاقيات الديمقراطية أن تخدم وسائل الإعلام الجمهور، وليس العكس. ولكن اليوم وسائل الإعلام في لبنان موجودة لكسب الولاء السياسي أو الطائفي من المواطن بدلا من أن تخدم مصالحه وحقوقه. يجب أن تكون مصلحة المواطن محور اهتمام وسائل الإعلام بدلا من ترويج آراء منبر إعلامي. حماية الإعلام لا تعني تلقائيا حماية الفرد أو المجتمع. ويجب أن يكون هناك ضوابط لضمان وصول من لا منبر لهم إلى وسائل الإعلام. وبالتالي، تصبح حرية الصحافة حقا قانونيا فقط بقدر ما تضمن حق المواطن في الحصول على معلومات صادقة حول القضايا العامة. لا يمكن لوسائل الإعلام أن تطالب بحرية التعبير إذا كانت ممارساتها تخالف المصلحة العامة عبر انتهاك حق الفرد في الحصول على معلومات دقيقة ولعب دور فاعل في بناء المجتمع المدني الصحي والمستنير. يجب وضع المصلحة العامة فوق الحقوق الخاصة بالصحفيين ووسائل الإعلام. كما تحتاج الدولة إلى أن تشرع وتسهل إقامة خدمة بث عامة (Public مستقلة، وغير تجارية) لعمل توازن مع وسائل الإعلام الخاصة.

وفي الختام، لا يعالج نموذج (الرقابة) في لبنان على نحو كاف موضوع (حرية التعبير)، بل هي في الحقيقة قضية (حقوق إنسان) - حق المواطن في تحسين نوعية الحياة من خلال عملية الاتصال، وتبادل الأفكار بشفافية وممارسة ديمقراطية حقيقية.

** ** **

انتهى..

هوامش المؤلف:

(1) هذه نسخة منقحة ومختصرة لكلمة ألقيت في 11 ديسمبر 2012 في مؤتمر (الأخلاقيات الإحيائية في وسائل الإعلام)، برعاية برنامج سليم الحص للأخلاقيات الإحيائية والاحتراف في الجامعة الأميركية في بيروت.

(2) بهاء أبو لبن، (عناصر الضبط الاجتماعي في صحافة لبنان) فصلية (الصحافة والإعلام الجماهيري)، مجلد 43، رقم 3 (1966): ص 514

(3) جبران حايك، رئيس تحرير وناشر (لسان الحال)، وهي جريدة مسائية لبنانية بارزة، في ندوة (حرية الصحافة في لبنان)، نادي جمعية خريجي الجامعة الأميركية في بيروت، 24-25 يناير، 1974

(4) جلسة أسئلة وأجوبة في مؤتمر (الأخلاقيات المهنية، تشريعات وسائل الإعلام وحرية التعبير في لبنان)، الجامعة اللبنانية الأميركية، 1-2 مارس، 2002

(5) كان من المعروف على نطاق واسع أن الحسن يتمتع بعلاقات وثيقة مع رئيس الوزراء السابق سعد الحريري وائتلافه المناهض لسوريا المعروف باسم حركة (14 آذار).

(6) شارل أيوب، صحيفة الديار، 3 نوفمبر 2012، (من يحكم لبنان: مصدر أمني أم دولة أم القضاء؟).

(7) كاتب هذا البحث اطلع على قائمة رسمية من وزارة الإعلام عن المدفوعات السرية لعدد من الصحفيين وشيك دفع في بداية السبعينيات لصحفي بارز.

(8) عقوبة التشهير خفيفة للغاية في لبنان.

(9) صحيفة النهار، 1 مارس 1967

(10) صحيفة ديلي ستار، 4 مارس 1967

(11) سليم اللوزي، (مبادئ سعيد فريحة الوطنية)، مجلة الحوادث، العدد 882 (1973): ص 28

(12) صحيفة الأنوار، 7 سبتمبر، 1973.

(13) تصريحات منصور كانت خلال المناقشة التي أعقبت تقديم ورقة كتبها طلال سلمان، رئيس تحرير وناشر صحيفة السفير بعنوان (دور الصحافة اللبنانية في حماية الحرية ومخاطر تسييس واحتكار الإعلان) في منتدى دولي بعنوان (منافذ إلى إعادة الإعمار) نظمه فرع لبنان للجمعية الدولية للإعلان، في بيروت، 19-20 سبتمبر، 1990

(14) أبو لبن، مرجع سابق، ص 514

(15) تحايلت بعض الصحف على القانون من خلال شراء أو استئجار رخصة إضافية والنشر تحتها مرة واحدة في الأسبوع.

انتهى بحث البروفيسور دجاني، ويليه ملحق من اختيار المترجم، وهو ترجمة لمقال نقدي ناري عن تكلس وتحنط نقابة الصحافة اللبنانية، ورأيت أنه قد ينطبق على البعض خارج لبنان، وهو بقلم الكاتبة اللبنانية المستقلة (فري لانس) ماجدة أبو فاضل ونشر بتاريخ 5 أكتوبر 2013 في صحيفة هافينغتون بوست دوم كوم (النسخة الأمريكية).

**** **** ****

بعلبكي إلى الأبد

(بعلبكي (Forever) بعلبكي فوريفر؛ أي بعلبكي إلى الأبد (كان ذلك هو مانشيت موقع (مهارات نيوز) (بتاريخ 1 أكتوبر 2013) الذي تهكم كاتبه قائلا إنه: بعدما أعلن نقيب الصحافة اللبنانية محمد بعلبكي استقالته، وفور أن تنهدت الصحافة والصحافيين بفرح لتخلصهم منه، إلا وقام هذا التسعيني - الذي تحكم لأكثر من 30 عاما بواحدة من النقابتين الصحافيتين (هي نقابة الصحافة) في البلاد - بسحب استقالته وعاد، ليتمترس في خندقه. ولو تحققت تلك الاستقالة، فإنها كانت ستصبح سابقة لا مثيل لها في تاريخ النقابتين الإعلاميتين؛ إحداهما (نقابة الصحافة) وتمثل ملاك الصحف/الناشرين، والأخرى (نقابة المحررين) وتمثل الصحفيين.

بعلبكي فاز في انتخابات رئاسة

النقابة 8 مرات متتالية!

أعطى خبر استقالة محمد بعلبكي أملا للصحفيين اللبنانيين (تعليق المترجم: وأيضا كافة الصحافيين العرب. انتهى تعليق المترجم) بأنه يمكن إصلاح النقابة، لتعكس على نحو أفضل احتياجات المهنة في العصر الحالي. وكانت استقالة البعلبكي ومعه مجلس إدارة نقابته – وهي الاستقالة التي لم تتم - حديث المدينة ذلك الأسبوع ومصدر للسخرية من قبل عدد لا يحصى من الصحفيين الذين يعتبرون بعلبكي ونقابته من المفارقات التاريخية للقرن الـ 21 لكونه وكونها خارج الزمان والمكان تماما. لقد أُعيد انتخاب بعلبكي ثماني مرات متتالية، ليبقى في منصبه ما أدى - بالتالي - لاستبعاد مرشحين مؤهلين آخرين من تمثيل وخدمة المهنة بأفكار جديدة وعصرية.

استقالة بعلبكي مسرحية هزلية

بعلبكي باق والنقابة تحنطت

ووفقا لرشا الأطرش، وهو مراسلة صحيفة سابقة وتشغل حاليا منصب مدير تحرير (صحيفة المدن) الإلكترونية، فإن (استقالة بعلبكي تعتبر مسخرة، وليست سوى مسرحية هزلية، لأن حقيقة أنه كان رئيسا للنقابة لثلاثة عقود يكشف الكثير عن ديناميات وكواليس الانتخابات داخل النقابة). وأضافت الأطرش أن الرسالة المستفادة من هذه المهزلة هي أن النقابة عبارة عن كيان ديكتاتوري صغير، ونادي نخبوي قريب إلى الأنظمة العربية التي تحاول الثورات الشعبية الإطاحة بها. وتساءلت بتهكم: (كيف يمكن أن نتوقع إصلاحات من أولئك الذين يحتاجون إلى من يُصلحهم؟). في 2 أكتوبر، نشرت صحيفة المدن مقالا بعنوان: (بعلبكي باق والنقابة تحنطت). وذكرت أنه للأسف تم تأجيل ضخ دماء جديدة في النقابة، حتى نهاية عام 2014.

وكانت مسألة إصلاح النقابتين محل نقاش منذ زمن طويل. ويشكو الصحفيون أن العضوية في كلا النقابتين أصبحت محجوزة للهاتفين والمصفقين لرئيسيهما؛ أي أنصارهما الذين يضمنون إعادة انتخابهما في كل دورة. ولكن يصرح بعلبكي دائما ومنذ الأزل، (وهو يرأس المجلس الذي يمثل كلا النقابتين) أن أي مرشح يمكنه التقدم بطلب العضوية، وأن اللجنة المعنية ستراجع الطلب بحياد. لكن العارفين بتفكيره يقولون إنه قد منع بالفعل انعقاد تلك اللجنة مرارا وتكرارا، عندما تقدم للعضوية من لا يؤيدونه. وذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية الشهر الماضي أن بعلبكي استقال لأسباب صحية، ولكن حاول أعضاء مجلس الإدارة منع أي تسريب للخبر إلى وسائل الإعلام، حتى يمكن صياغة إعلان مناسب وكذلك العثور على بديل مقبول.

هياكل نقابتي الصحفيين والمحررين يجب أن تتوافق مع قانون المطبوعات، والذي يعود تاريخه إلى عام 1962، والذي يحاول المشرعون الإصلاحيون والنشطاء ومنظمات المجتمع المدني إصلاحه منذ سنوات. ويتم (انتخاب) رؤساء النقابتين على أسس طائفية!! الأولى (نقابة الصحافة) لمسلم، والثانية (نقابة المحررين) لمسيحي!!!

ويقول أيمن مهنا، المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير (يجب على نقابة الصحافة التي تمثل أصحاب تراخيص الطباعة، أن تقوم بعملية تحديث جدية). ويضيف مهنا: (يجب أن تقبل ظهور فاعلين جدد في الصحافة، وأن تعمل لتحقيق حرية الوصول إلى الأسواق، ولتقديم الدعم الصلب للمؤسسات الإعلامية والصحفيين الذين يعانون من قمع لحريتهم في التعبير أو في حق الحصول على المعلومات).

ووصف مهنا بعلبكي بالشخصية الرئيسة في الجسم الصحفي اللبناني، وأنه يقف دائما إلى جانب عائلات الصحافيين المغتالين. ولكن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي. وأضاف مهنا: (وبالإضافة لذلك، يجب أن تخضع (النقابة) لعملية ترميم وإصلاح مؤسسي كامل، حتى لا يتم ربطها بأفراد). وأضاف مهنا: (وإلا فإنها ستصبح من مخلفات الماضي، وتخسر جزءا من شرعيتها في كل دقيقة تمر بدون إصلاح).

حتى ميثاق الأخلاق في النقابة قديم ويعود لأيام غابرة. لقد وضع في عام 1974، ولم يتم تحديثه منذ ذلك الحين. وعندما قال مهنا لبعلبكي في مطلع هذا القرن، إنه ينبغي تحديث الميثاق الأخلاقي لمواكبة العصر والتغيرات في التكنولوجيا، أجاب بعلبكي بسرعة: (نحن نفضله كما هو).

وتقول الأطرش: (ينبغي أن تمثل النقابات الصحفية المهنيين الذين يمارسون الصحافة في الواقع وفي هذه الحالة، تمثل كل صحافي لبناني، بما في ذلك الصحافيين المستقلين والعاملين في الإذاعة والتلفزيون).

وتعتقد الأطرش أن النقابة يجب أن تدافع عن حقوق الصحفيين، بدلا من الوقوف مع ملاك الصحف والحكومة - وهي تهمة يرددها آخرون في المهنة. وتساءلت الأطرش: (كيف ينبغي أن تدار النقابة؟ ببساطة، بصورة ديمقراطيا وبأكثر الطرائق شفافية. ولكن لا ينبغي أن تدار مثل محاولة إعادة اختراع العجلة)!!

ترجمة وتعليق: د.حمد العيسى - المغرب Hamad.aleisa@gmail.com