Saturday 08/03/2014 Issue 431 السبت 7 ,جمادى الاولى 1435 العدد

أين مراكز الأسر العلمية؟!

آل سليم أنموذجاً

أما قبل

فالمراد بالمقال: الأسر العلمية (العلم الشرعي) التي أخرجت عدداً من العلماء، نفعوا المسلمين درساً ودعوة وقضاء وتأليفاً، إلى نهاية القرن الماضي؛ لأن الهدف نشـر علمهم، وتعريف الناس بهم؛ فقد كشفت الوثائق المحلية عن علماء لم يسمع المعاصرون بهم، ولو سمعوا ما استجابوا لهم؛ لأن حبل الوصال منقطع ، والحبل: الكتاب والرسالة والفتوى والحكم القضائي.

إن من أعظم بر الأبناء بآبائهم نشـر علومهم ؛ لتستمر الحسنات لآبائهم في قبورهم.

الحديث موجه للبررة، وأما العققة فصورة أحدهم وهو رمز معروف، يدفن كتب والده المخطوطة؛ لأنها لاتوافقه في منهجه ! ومنهج والده هو المنهج الحق الذي عليه علماء السلف حذو القذة بالقذة، مثل هذا لا تتجه له المقاله؛ لجرح عدالته، وخرم أمانته !

وبأقل من العاقِّ السابق: عانى المؤلف الزركلي، حيث قال في « الأعلام» ( 1/16) في مقدمة طبعته الثانية! ( 1377هـ): ( وعانيتُ في تراجم المعاصرين نَصَبَاً، بَدَت لي فيه ظاهرةٌ خُلُقيةٌ غير مرضية، في كثير ممن كتبتُ إليهم أو كلَّمتهم؛ لاستكمال نقص في ترجمة أب لهذا، أو أخ، أو قريب لذاك؛ ولم يفعلوا ! ). وبمثله عانى الأستاذ: أحمد العلاونة في « ذيل الأعلام» (1/ 6) ، والعلامة : محمد بن ناصر العبودي في « معاجم الأسر»، وكل من نحى نحوهم يريد نفعاً لغيره، فيُرد من دون ما سبب ! والفضل ـ بعد الله ـ للكاتب، لكن العقوق أبى إلا أن يكون ألواناً، وهذا أقساه.... ومما يلفت إليه هنا: أن هناك أسراً علمية، قد زال الوصف عنها الآن ؛ لعدم وجود عددٍ يحمل العلم الشرعي، ويُزكِّيه، ويبلغُ به رتبة الاجتهاد، وفي المقابل ظهرت أسر علمية بارزة لم تعرف من قبل بذلك، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والدنيا دُوَل، والفضل بالتقوى.

أما بعد

فإن قوام البلدان بأمرائها وعلمائها ، وهما ولاة أمرها لقول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم..). قال ابن سعدي في « تفسيره» (ص 183) : ( أولوالأمر وهم: الولاة على الناس، من: الأمراء، والحكام، والمفتين؛ فإنه لا يستقيم للناس أمرُ دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم، والانقياد لهم؛ طاعةً لله، ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق...). وبهما بعد الله تعالى تنتظم حياة البلدة ، وتضمحل الشـرور والفتن.

ولئن كانت البلدة قائمة على عالم عامل ، مجاهد في الحق مصابر ، مشـرف على وجوه البر والإحسان، بالغ في الوصف حدَّ الأبوة والسماحة ؛ فإن بلداناً حباها الله ـ فضلاً منه وجوداً ــ علماءَ من أسرة واحدة ، يتبادلون العلم ويتوارثونه ، حتى اصطبغت الأسرة بوصف العلم والسؤدد ، فما إن يذكر اسمها ، إلا وتتسابق إلى المخيَّلة مثافنة الطلبة بين يدي علماء تلك الأسرة ، وصرير أقلامهم في مراسلاتهم ودعوتهم.

على أن نسبة الأُسَر العلمية لعدد العلماء نسبة ضئيلة جداً ، فقد ذكرالتاريخ لنا أسراً علمية يغبطون عليها ، من ذلك : السمعانيون ، وآل تيمية ، وأبناء الأثير ، وغيـرهم.

وفي الأزمان المتأخرة، على سبيل المثال: في منطقة الرياض: آل زامل، وآل ذهلان، وآل مشرف ومنهم آل الشيخ، وآل صالح الذين أصبح يقال لهم فيما بعد آل عبدالوهاب ثم آل نمر، والباهلي في الدرعية. وفي بريدة: آل سِليم، والتويجري ومنهم: الضالع، والدهش، وهم في المجمعة أيضاً. وفي عنيزة: آل بسام ومنهم القاضي، وكانوا قبل في أشيقر. وفي حائل:آل بنيان، واليعقوب. وفي المجمعة: آل شبانة ومنهم آل عبدالجبار. وفي الأفلاج: آل عتيق. وفي الحوطة: آل شثري. وفي الأحساء: آل مبارك، وآل عمير، والعدساني، وفي مكة عدد من الأسر كما في« الحياة العلمية في مكة من 1115هـ ـ 1334هـ » د. آمال صديق ( 1/158)، وفي غيرها من بلدان الجزيرة: أسر كثيرة لم يبلغني العلم بها، ولايتسع المقام للتمثيل عليها.

ومن ينظر « معاجم أسر القصيم» لمعالي الشيخ محمد العبودي ـ صدر منها « بريدة» ( 23) مجلداً، و قريباً « عنيزة» في ( 17) مجلداً، ويتتبع كتب المناطق: علماء حائل، أشيقر، الحوطة، والأحساء، سيعجب من وجود علماء وقضاة ومؤلفات لم يعرفوا في زماننا قصوراً من تلامذتهم، وأبناء تلك الأسر، ومن المُثُل الرائعة ما فعله الشيخ د. حسان الرديعان في جمعه كتاباً عن علماء حائل، وفهرساً للمخطوطات الأصلية فيها، وبذلك يعرف أهل العلم رحمهم، والعلم رحم بين أهله...

وجهد من لون آخر يعكف عليه من سنوات الأستاذ الفاضل: راشد بن محمد العساكر في جمع علماء الرياض، وبعث الوثائق من مرقدها، وكم في الوثائق الخاصة من كنوز علمية، لمن عرف السبيل، وعانى البحث والسؤال ـ ومنه استفدت العلماء السابق ذكرهم من منطقة الرياض ـ

ووجهة الحديث هنا أسرة ( آل سليم في بريدة ) أسرة الشَـرَف ـ حقيقة ـ ، وهل الشـرف إلا بالعلم والدعوة والإصلاح ؟! والمعنى يشمل بقية الأسر العلمية.

أولئك آباؤنا في العلم والزهد والعبادة والدعوة ، لهم أفضال عظيمة على منطقة القصيم وبعض بلدان نجد ، في نشـر العلم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والإصلاح ، نجد فضلهم بادي الأثر ، فيما نعيشه نهضة علمية، وصلاحاً بين أبناء المنطقة ـ وإن من الظلم والعدوان أن نرجعهما إلى بـعض المعاصرين ـ ، وهل الولد إلا من تناسل آبائه !؟

وإني أظن أن علماء آل سليم ـ رحمهم الله ـ لم يُعْطَوا حقَّهُم من قبل أبناء الأسرة أولاً ، والمنطقة ثانياً ، من خلال:

1 - التراجم الوافية المطولة ، زيادة على ما كتبه العُمَري ـ رحمه الله ـ.

2 - جمع مراسلاتهم ، وأقضيتهم ، وكتبهم ، وتعليقاتهم على الكتب العلمية ، ومقيَّدات تلاميذهم عنهم.

3 - إيجاد مركز علمي شرعي ، يحمل اسم ( آل سليم ) ؛ تذكيراً بفضل العلماء الأعلام ، وسعياً لنشر العلم والمعرفة لإكمال المسيرة ؛ ولجمع ما يستجد مما له علاقة بعلماء الأسرة وتلامذتهم.

4 - التصدي للشُّبَهِ التي ترد أحياناً من بعض من يخالف منهج علماء البلاد ، ويذكرُ لمزاً بعض مواقف علماء آل سليم في مشاهدهم المعروفة.

5 - محاولة لحاق المعلومات الشفهية التي يحفظها كبار السن ، والتي لم تدون بعد.

وإبراز ما ذُكِر ، له فوائد عظيمة جداً ، منها :

1 - بالنسبة لأفراد الأسرة : القيام بواجب البر والصلة لآبائهم وأعمامهم.

2 - زيادة جريان الحسنات لعلماء الأسرة ـ وهم الآن أحوج ما يكونون إليها ـ.

3 - بعث الهِمَّة لدى أفراد الأسرة ؛ ليحملوا الإرث العظيم ، الذي خلَّفَهُ الأجداد ، وهو ميراث الأنبياء « العلم الشرعي».

4 - إبراز تاريخ الأسرة العلمي والدعوي ؛ يُكسِبُ أفرادها حاجزاً عن اقتراف ما يسوء لهذا الشرف.

5 - نظراً لكثرة العلماء في الأسرة وتلامذتهم ؛ فإن إبراز نتاجهم وتراجمهم إبراز ـ في الحقيقة ـ للحياة العلمية الرائدة في « بريدة» بالذات ، ولا زالت الحياة العلمية في بريدة في القرن الماضي بحاجة إلى تأليف.

وبعد

فالوسيلة الوحيدة لمعرفة العالِم ومنهجه العلمي وترجيحاته ، معرفةُ مؤلفاته ، وهي الصلة بين أهل العلم السابقين واللاحقين ؛ وفي القرن الماضي ، والعقدين الماضيين ، ظهر رأي يتبناه عدد من علماء نجد خاصة ، وهو : الاكتفاء بمؤلفات السابقين، وعدم الحاجة إلى كتابة الشروح والتأليفات العلمية... وواقعنا العلمي ـ الآن ـ خير من يجيب على هذه الرؤية المرجوحة، خاصة فيما تراه العين من أطايب المؤلفات البديعة الجامعية وغيرها، و « كم ترك الأول للآخر ؟!».

ومن أولئك العلماء علماء بريدة ، ومنهم آل سليم ـ رحمهم الله ـ ، ولا يعارض هذا وجود رسائل صغيرة، ومراسلات علمية ؛ إنما الشأن في المطولات ، والتآليف، والشروح.

ومما زاد الأمر ضرراً على الحياة العلمية اللاحقة لهم استمرار هذا الرأي في تلامذة آل سليم ـ رحمهم الله ـ ، ولو خالف بعضهم لوجدنا تقييدات علمية ، وتعقبات ، وإفادات دوَّنها التلاميذ أثناء دروس مشايخهم ـ كما فعل الشيخ ابن قاسم في تقييدات وفتاوى شيخه محمد بن إبراهيم ـ رحمهما الله ـ .

ومع هذه الحواجز دون الارتواء من الحياة العلمية الزاخرة في « بريدة»، والاختيارات العلمية البديعة لعلمائها ؛ فإن الأمل بالله كبير ثم بأهل العلم الشداة من أسرة آل سليم خاصة ؛ أن يتوجهوا إلى كتب آبائهم ويقلبوها ورقةً ورقةً ؛ ليكتبوا جميع التعليقات ، ولا يستهان بحرف واحد يجدونه بين الأسطر، ويجمعوا بعدها أقضيتهم ، ومراسلاتهم ، فكم من مراسلات أُخرج منها اختيارات علمية نفيسة جداً ـ كما في مراسلات ابن عقيل مع شيخه ابن سعدي ـ رحمهما الله ـ وكلاهما من « عُنيزة» ، و« عُنَيزَةُ» سبَّاقَةٌ !

ومن المنافذ المهمة جداً لجمع اختياراتهم : النظر في جميع مؤلفات تلامذتهم ، واختيار ما أثروه عنهم، ويُضم إلى ذلك جميع الرسائل الموجودة في « الدرر السنية» والتي أقر بما فيها أحد من علماء آل سليم.

وإني أدعو الأسر العلمية إلى مؤازرة كل مهتم بتراث أجدادهم ، فهم أجدادهم نسباً وعلماً ، وأجدادنا علماً وفضلاً.

مُؤلِـمْ:

حدثني الباحث الأستاذ: راشد العساكر أنه اطلع على كتب ورسائل مخطوطة للشيخ العلامة المحدث: إسحاق بن عبدالرحمن آل الشيخ [ الذي رحل للهند لطلب الحديث!]، رآها في إحدى المكتبات الخاصة عند آل الشيخ! وهي بعيدة عن الأيدي، والأبصار، محفوظة للأرضة والغبار، ولا يعتبر عند حافظها أن نشرها بر بالشيخ من آبائه أو أسرته!

مَلْحَظ:

من الملاحظ أن غالب من يهتم ببعض علمائنا السابقين هم من خارج أسرة ذلك العالم؛ هل يقال هنا: أزهد الناس بالعالم أهله، أسرته، بلدته ؟! ج/نعم في الغالب

إلى الناس كلِّهم:

برُّوا آباءَكم بنشر وثائقهم، فإن لم يكن فيها علم شرعي، ففيها وصية ترعى، ومعنى يلاحظ، وفائدة تاريخية، ومعلومة نسبية، ومعرفة أصهارهم، وأحوالهم، ويكفيهم أن تُرقَم أسماؤهم مقرونةً بدعوة، يعرفها أحفادهم الآن، ويدعون لهم، وتتواصل الدعوات من الأجيال اللاحقة...

واقرأوا إن شئتم : « أهمية الوثائق المحلية» لمعالي الشيخ : محمد العبودي، وبحث ماتع جامع للأستاذ راشد العساكر بعنوان: « وثائق مدينة الرياض رؤى معاشة» ضمن دورة الوثائق المحلية، ومقدمة الأستاذ: فائز البدراني لكتابه « وثائق تاريخية من منطقة المدينة النبوية ـ القسم الثاني: ينبع والصفراء ونواحيها». وحاوروا الثلاثة السابقين، وغيرهم من المهتمين، أعرف منهم: الأساتذة: خالد المانع، وعبدالله المسلَّم، وعبدالله البسيمي، وغيرهم كثير؛ لتطلعوا على المفاجاءت العلمية التي كشفتها لهم الوثائق، ولعَلَّ بحثاً يخرج من أحدهم حول هذه الاكتشافات !

* أما الأسر العلمية السابقة:

فعليهم الوفاء، ولابد من مركز أو مكتب يبدأ العمل بحثاً وجمعاً وطباعة... وفي الحديث: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم نافع، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له). وبمقترحي هذا تجمع لأجدادك هذه الثلاثة كلها.

ومما يُذكر فيُشكر، مَسْلَكٌ جَدِيدٌ مُفِيْدٌ، وهو: قيام بعض الفضلاء بتأليف عن أسرهم، ومن أسس هذه الكتب : ذكر العلماء السابقين، ومن دونهم؛ من تلك الأسر التي ألَّفَتْ: العساكر، التويجري، التركي من حرمة، السعيد من الرياض والقصيم، العجاجي، الرشود، الشثري، الجريسي، وغيرهم. وتَذَكَّر أن مجرَّدَ ذِكْرِ العَلَمِ بَاعثٌ إلى التساؤل، ثم البحث حولَه، فكن مفتاحاً للخير.

* وأما الأسر العلمية الجديدة المعاصرة، فمعها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر!

إبراهيم بن عبدالله المديهش - الرياض