على مدى 3 أيام ومن خلال 7 حلقات نقاش تصدت الندوة الدولية الثانية التي أقامها قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب - جامعة الملك سعود في الرياض تحت عنوان: «قراءة التراث الأدبي واللغوي في الدراسات الحديثة» تصدت الندوة لإشكاليات الدراسات المنهجية والنظرية المرتبطة بقراءة التراث الأدبي واللغوي العربي في الدراسات الحديثة، وهي الندوة التي افتتحها صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض وشارك فيها أكثر من 30 باحثاً وباحثة من مختلف الجامعات العربية إلى جانب المعقبين والمشاركين من المملكة.
ساد الندوة جو من الرصانة والحضور الواعي لطلاب الدراسات العليا بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود واتسمت التعقيبات والمداخلات بعكس اهتمام الحاضرين بالبحث العلمي المتصل بمناهج الدراسات الحديثة الخاصة بقراءة التراث والتي معظمها مناهج غربية، وهي إشكالية تواجه الباحث العربي في التعامل مع نصوص اللغة والتراث عندما يريد أن يقرأها.
تنوعت عناوين أوراق العمل المقدمة وأجاد مديرو الجلسات في تقديمهم للأوراق بإثارة العديد من الأسئلة المتصلة بذات الموضوع وكان الوقت ربما هو العامل المؤرق للمتحدثين والمتداخلين ومدير لأي الندوات حتى إن الأستاذ حمد القاضي وبشيء من الدعابة المحببة عند إدارته لإحدى جلسات العمل منح المتحدثين عشر ثوان إضافية من عنده على الوقت المحدد لكل متحدث. وقد كانت كلمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن بندر، أمير منطقة الرياض في افتتاح الندوة إضافة قيمة إلى أوراق العمل التي تقدم بها الباحثون، حيث أكد حرص المملكة على اللغة العربية والجهود المبذولة في هذا الجانب كون اللغة هي هوية الأمة ووعاء نتاجها الحضاري ناهيك عن كونها لغة الكتاب الكريم والسنّة النبوية، مبيناً مسئولية العرب وفي مقدمتهم الباحثون والمختصون باللغة في هذا الجانب.
كانت باكورة أوراق العمل لجلسة العمل الأولى التي أدارتها الدكتورة الأميرة الشملان هي ورقة الباحثة أميرة القفاري باحثة ماجستير في اللغة والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد حملت ورقتها عنوان «قراءة النقد الثقافي للتراث الأدبي آفاق التلقي والتأويل»، وبحثت الورقة إشكالية المنهج في قراءة التراث الأدبي وتتفيأ الكشف عن القراءات الثقافية للتراث الأدبي قصد معرفة أصولها ومرجعياتها وتوجهاتها وليفياتها ومنجزاتها وذلك لما لهذا القراءات من أهمية اكتسبتها من سعيها للكشف عن الأنساق المضمرة في التراث الأدبي بمعايير وأدوات نقدية أنتجت رؤية مختلفة عن الرؤية التي استمرأتها قراءات النقد الأدبي، وأبعد شأواً مما وقعت عليه الدراسات النقدية.
وتلت هذه الورقة ورقة الدكتور رابح قديد الأستاذ في النقد الأدبي القديم جامعة قسطنطينية الجزائر والورقة بعنوان «قراءة حداثية للتراث وإشكالات المنهج» بحث في تضاريس النص التراثي عند بعض الإنتلجنسيا العرب وتهدف الورقة إلى إجراء مقاربة نقدية عند بعض الدارسين العرب في قراءة النص التراثي وتأويله عبر أدوات حداثية تكرس مبدأ القراءة التفاعلية في قراءة النص وفهمه مع مراعاة كتابة النص في زمانه ومكانه، ولأن النص التراثي دار حوله تساؤلات وتفسيرات فيها كثير من الشطط كان لا بد أن يقف بعض الدارسين عند مستويات جديدة في التعامل معه قراءة وفهماً وتأويلاً ولعل قراءة وهب رومية في كتاباته المختلفة إلى جانب نظرات جابر عصفور الحداثية ومحمد النويهي في تحليل النص النواسيوما قدمته ريتا عوض في تفسيراتها للطلل والعدد وغيرهما قد أسهم في إعطاء النص التراثي خصوصية متميزة من حيث بنيته وجمالياته التي جعلت عبد الله الغذامي يقدم قراءة منفردة في فك شفرات النص التراثي واستكناه أسراره والوقوف عند دلائلية النص من خلال دعوته الصريحة إلى القراءة التشريحية بالاعتماد على الوعي الحداثي الممزوج بالقراءة الصحيحة والدقيقة للتراث لأن بعضاً من القضايا المعاصرة والمفاهيم الأدبية، إما إن يكون قد وقعت الإشارة إليها أو تناولها في الدرس النقدي العربي القديم.
وكانت الورقة الثالثة للباحث د. رشيد سلاوي الأستاذ في المصطلح في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس المغرب، وقد حملت الورقة عنوان «من جهود المغاربة في قراءة النصوص الأدبية والنقدية التراثية قراءة مصطلحية» وتهدف الورقة إلى إبراز بعض جهود المغاربة من خلال بعض النماذج في قراءة النصوص الأدبية والنقدية التراثية قراءة مصطلحية بمنهج مصطلحي يعتمد على إحصاء النصوص ودراستها نصياً ومفهوم استخراج القضايا والمفاهيم الصحيحة للمصطلحات وذلك بشروط علمية ومهجية وتكاملية للكشف عن نبوغ هذا التراث لنتفيأ من أفنانه ونسير به إلى الأحسن.
وهذا ما تم فعلاً انطلاقاً من تبني مشروع للاشتغال يهدف إلى قراءة هذا التراث قراءة مصطلحية بمنهج صارم للوصول إلى تجديد الفهم للمنجز التراثي عبر تاريخه الطويل في شتى العلوم والفنون.
وبعد الحديث عن الدراسات الأولى التي كانت البذرة الأولى التي أنبتت عدة باحثين أنجزوا دراساتهم في هذا النوع من القراءة انتقلت الورقة للحديث عن تجربة الباحث ذاته في القراءة المصطلحية من خلال نموذجين اثنين في مرحلتين هما:
الأولى عن مصطلحات النقد والبلاغة في تفسير الكشاف للزمخشري.. والثانية عن مصطلح النقد في تراث محمد مندور وانتهت بالتمثيل بدراسة للدكتور مصطفى اليعقوبي التي تناول فيها المصطلح النقدي في تراث طه حسين ثم اختتمت الورقة بملحق خاص بالرسائل الجامعية المسجلة والمناقشة في المصطلح الأدبي والنقدي.
أما الورقة البحثية الرابعة فقد تقدم بها الباحث الدكتور عبد القادر محمد الحسون الأستاذ المساعد في الأدب جامعة الملك فيصل وحملت عنوان إشكالية المناهج عند النقاد المعاصرين ودورها في تطوير قراءات الشعر القديم «وقد حددت الورقة أن الهدف الأساس الذي سعى الباحث لتحقيقه ليس التاريخ لتعامل الدارسين والنقاد مع المناهج الحديثة فذلك أمر معلوم والدراسات فيه تربو عن الحصر وإنما القصد محاولة التلطف في استخراج ما يمكن أن نسميه بالنقلة النوعية البارزة في الخطاب النقدي أي تلك التغيرات الجوهرية التي تدل على تطور ملحوظ من الناحية النظرية المتعلقة بمفهوم الشعر وخصائصه الفنية وبالناحية التطبيقية المتعلقة بأفعال القراءة والمفهوم والتأويل.
واختتمت جلسة العمل الأولى من جلسات الندوة بورقة للباحثة الدكتورة فاتحة الطايب امحزون الأستاذ في الأدب المقارن جامعة محمد الخامس أكدال الرباط المغرب وجاءت تحت عنوان «نموذج تأصيل الكيان من المنظور الحواري» وتطرقت فيها الباحثة إلى مشروع عبد الفتاح كيليطو النقدي الذي وصفته بأنه يمثل سلطة قرائية بديلة ترتكز في مقاربتها للنصوص التراثية العربية على التفاعل المنتج مع المنتج الفكري والنقدي الحداثي وما بعد الحداثي الغربي حيث لا يهدف الناقد إلى البقاء في مستوى التراث وإنما يدرسه من زاوية حوارية تتأسس على الوعي بالانتماء إلى مستوى مختلف يفرضه سياق عصري وزماني مختلف مما يفيد أن تأويل كيليطو للنص التراثي إذ يتم في إطار أمة وتقاليد أمة يتم أيضاً من داخل تيار فكري حي يعتبر السؤال في مركز الثقافة، بحيث يندرج هذا النوع من التأويل ضمن ما يطلق عليه القراءة اليقظة التي تسعى لأن تكون موقظة بإثارتها لدهشة القارئ.
أما جلسة العمل الثانية التي رأسها الدكتور أحمد السالم والتي شارك فيها خمسة باحثين فقد بدأت بورقة الدكتور الباحث الأستاذ المشارك في اللسانيات بالجامعة الإفريقية أحمد دراية الجزائر وعنون الورقة بـ «معالم النظرية الإرشادية في فكر الإمام ابن قيم الجوزية والدرس اللساني الحديث».
وقد أشار الباحث إلى اشتغال القدامى - رحمهم الله - باللغة أيما اشتغال فلا يمكن أن يستثنى منهم الأصوليون ولا حتى الفلاسفة والمفسرون، ووقف الباحث أمام قضية من بين القضايا التي اهتم بها القدامى وهي قضية الإشارية والتي تهدف إلى دراسة المعنى طبقاً للمشار إليه والمركز فيه على المرجع باعتبار ابن القيم من أنصار القائلين بالمرجع شأنه في ذلك شان أبو حامد الغزالي من التراثيين العرب وكذا اوجدن وريتشارد من الغربيين من خلال كتابهما معنى المعنى الذي جاء على أنقاض طروحات دي سوسيرحين أهمل فكرة المرجع وتمسكه بفكرة الدال والمدال أو ما ينعت بالصورة الذهنية والصورة السمعية.
أما الورقة الثانية من الجلسة الثانية فقد قدمها الدكتور رشيد رمضان عمران الأستاذ المشارك في لسانيات النص جامعة بشار الجزائر تحت عنوان «التناول النصي في التراث النقدي العربي دراسة في ضوء لسانيات النص».. وأشار في ورقته إلى أن الأمريكي هاريس 1952 يُعد أول من استخدم التحليل النصي الشامل من خلال دراسته الموسومة بـ» تحليل الخطاب»، وهو بحث قيم بدأت معه بوادر الاهتمام بالنص والنص وسياقه الاجتماعي وقدم في بحثه أول تحليل منهجي لنصوص بعينها. وأوضح الباحث أن الدراسة تسعى إلى محاولة فهم آليات ووسائل التماسك النصي كما جاء في نظرية الإعجاز عند الباقلاني وذلك لفهم هذا التراث الضخم الذي ما زال قادراً على العطاء والتجدد بحيث يمكن أن تتفوق بعض الآليات والوسائل التماسكية التي وردت في نظرية الإعجاز على ما قدمته أحدث النظريات اللسانية وبالذات اللسانيات النصية، ومن ثم فإن هذا التراث يستحق القراءة وإعادة القراءة لفهمه ووضعه في إطاره الصحيح. وجاءت ورقة العمل الثالثة من الجلسة الثانية للباحث الدكتور مجدي بن صالح بن صوف الأستاذ المساعد في علوم البلاغة واللسانيات جامعة تونس وحمل البحث عنوان: «الشروط الأساسية في قراءة التراث اللغوي اللساني»، وأشار الباحث إلى أنه حاول في بحثه تقديم تصور شامل ودقيق عن الشروط الضرورية الدنيا التي يجب أن تتوافر في الباحث في التراث اللساني وأن هدفه من ذلك هو إعادة البحث اللغوي اللساني العربي إلى حركة الفكر البشري اعتماداً - في جزء منه - على النظر في هذا التراث وقد اختزلنا جملة هذه الشروط في ضرورة إيمان الباحث أنه يعالج ظاهرة مشتركة بين كل البشر في الزمان والمكان وهي اللغة، فما قيل فيها منذ ألف سنة قد يكون مفيداً إذ الأفكار لا تسير في صورة موازية لحركة الزمن التاريخي ولو كان الأمر كذلك لضربنا صَفحاً عن كل فكرة سابقة من الزمن.
أما ورقة العمل الرابعة فقد قدمها الباحث الدكتور محمود أبو المعاطي أحمد «محمود عكاشة» وعنوانها «تفسير النص القرآني وتأويله بين المنهج السلفي والاتجاهات الحداثية - دراسة مقارنة بين مفهوم تفسير النص القرآني عند السلفيين ومفهوم تأويله عند الاتجاهات الحداثية العربية»، وأشار الباحث إلى أنه تناول تفسير النص عند المتقدمين من علماء التفسير والأصول وضوابطه الشرعية واللغوية وعلاقته بالتأويل والمقارنة بينهما وضوابط التأويل عند العلماء الذين أجادوا العمل به في التفسير، والغاية الوقوف على مقاصد النص الشرعي بالأدلة والقرائن الشرعية واللغوية وغير اللغوية التي تثبت صحة الاستنباط. وقدم البحث في قسمين أولهما تفسير النص القرآني في ضوء المنهج السلفي، والثاني تفسير النص الديني في ضوء رؤى الاتجاهات الحديثة.
إما البحث الرابع والأخير في جلسة العمل الثانية فقد قدمه الباحث الدكتور مختار درقاوي الأستاذ المشارك في اللسانيات قسم اللغة والأدب العربي جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف الجزائر وتحت عنوان «الآليات التداولية لتحليل الخطاب من وجهتي نظر الأصوليين والتداوليين المحدثين».. وقد سعى الباحث إلى عقد مقارنة لآليات تأويل الخطاب بين مرجعيتين فكريتين مختلفتين هما:
1 - المرجعية الأصولية التي عرفها علماؤنا العرب في التراث.
2 - المرجعية التداولية PRAGMATICS التي يعرفها الفكر النقدي واللساني.
3 - الغربي الحديث.
وبين البحث أن الدلالة هي أداة النص والخطاب في إنتاج نفسه وأن أسلوب البحث لدى الأصوليين والتداوليين يشترك في أنه قائم على مبدأ المضايفة أو التلازم بين قوانين اللغة في إنتاج الخطاب.
أما الجلسة الثالثة من جلسات الندوة والتي أدارها الأستاذ الدكتور صالح معيض الغامدي، واشتملت على أربع ورقات بداها الدكتور أبو عبد السلام محمد الإدريسي الأستاذ المساعد في البلاغة والنقد الكلية المتعددة التخصصات الناضور المغرب بورقة عنوانها: «قراءة عبد القاهر الجرجائي وتصوره لفعل القراءة», وتناول البحث بعض الإشكالات التي تثيرها قراءة تراث الجرجائي، وقد اختص الموضوع بالإجابة عن سؤالين هما: - كيف نظر النقاد العرب المحدثون إلى تراث الجرجائي من خلال بحثهم في مفهومه للقراءة مع كونهم يتمثلون المنهج الغربي ومفاهيمه في القراءة؟
- وتبعاً لذلك نتساءل ما هي المعالم الأساس لمفهوم القراءة والقارئ عند الإمام الجرجائي؟
أما الورقة الثانية فقد قدمها الباحث الدكتور خليفة بن الهادي الميساوي الأستاذ المساعد في اللسانيات كلية الآداب جامعة الملك فيصل تحت عنوان «قراءة القرطاجني في ضوء نظريات تحليل الخطاب الحديثة».. وتناول البحث بعض المسائل التي تعرضت لها دراسات اللسانية الحديثة خصوصاً في نظريات تحليل الخطاب ومن أبرزها قضية الربط والترابط والإحالة وعلاقة المتكلم بالخطاب وبإنتاج المعنى وبالسياق وإستراتيجيات الخطاب والقصدية والتمثيل الذهني.
أما الورقة الثالثة من جلسات الندوة فقد قدمها الباحث الدكتور سعيد عبد القادر يقطين الأستاذ في نظرية النقد والأدب كلية الآداب بالرباط بالمغرب وحملت عنوان «قراءة التراث الأدبي.. التراث السردي نموذجاً».. وأشار الباحث في ورقته إلى أن لكل أمة من الأمم تراثها الخاص بها وهي تعتز به وتنافح عنه غير أننا لا نجد أمة من الأمم تهتم بتراثها أكثر من الأمة العربية الإسلامية، لذا نجد أحاديثها عنه لا تنتهي إلا لتستأنف من جديد، وقال: لا شك أن التراث العربي واسع ومتعدد بالقياس إلى تراث العديد من الأمم المعاصرة، فعمره ينيف على ستة عشر قرناً وعمر التراث الأندلسي يتعدى ثمانية قرون، كما أن النطاق الجغرافي الذي أنتج في نطاقه كان واسعاُ وممتداً، وتساءل الباحث لأي ضرورة نعود إلى قراءة التراث.. ولأي غاية أننا ما لم نجب على هذين السؤالين بكيفية مغايرة لما مارسناه إلى الآن سيظل السؤال مطروحاً أبداً؟
والورقة الرابعة والأخيرة قدمها الأخ الدكتور الرحمن عبد الله بوعلي وجاءت بعنوان «القراءة العاشقة أو إستراتيجية قراءة النص السردي الكلاسيكي عبد الفتاح كيليطو نموذجاً»، وحاول الباحث أن يقدم في ورقته تجربة نقدية غير مألوفة في تجربة الباحث عبد الفتاح كيليطو في قراءته للتراث العربي السردي وقد انطلق البحث من توضيح علاقة النظرية بالمنهج وعلاقة الناقد العربي بهما حيث حاول الباحث وهو يستعرض التجربة الفريدة لكيليطو أن يجيب على السؤال الكبير: كيف قرأ عبد الفتاح كيليطو النص السردي القديم.. وبأي مناهج وبأية رؤية وبأية أدوات؟
وأدار الأستاذ الدكتور فالح العجمي الجلسة الرابعة من جلسات الندوة التي قدمت فيها خمس أوراق بحثية بدأها الدكتور الباحث الدكتور أيمن محمود إبراهيم الأستاذ المساعد في النحو والصرف قسم اللغة العربية وآدابها جامعة الملك خالد بأبها وحملت الورقة عنوان: «أسلوب النداء في العربية دراسة في تداولية الخطاب».. حيث جاء البحث مقسماً إلى ثلاثة أقسام هي: القصد - المخاطب - تحقيق مبدأ الإفادة - ودفع اللبس، وقد خلص الباحث إلى عدد من النتائج كان من أبرزها أن النحاة قد أسسوا قواعد باب النداء على كثير من مبادئ التداولية المعاصرة فبنزها على أساس من قصد المتكلم ومراعاة أحوال المخاطب وتحقيق مبدأ الإفادة ودفع اللبس وأن المنطوق اللغوي في باب النداء يتشكل من تلك المبادئ فهي بمثابة قوانين ملزمة لمنتج الخطاب عليه الأخذ بها حين يصوغ خطابه ومن ثم فإن اللغويين العرب لم يقوموا بدراسة اللغة بمعزل عن العوامل غير اللغوية كالمتكلم والمخاطب والسياق وباب النداء خير مثال على ذلك.
أما الورقة الثانية من أوراق العمل في الجلسة فقد تقدم بها الباحث الجمعي بن محمود بولعراس الأستاذ المساعد في اللسانيات معهد اللغويات العربية جامعة الملك سعود وحملت ورقته عنوان: «القضايا التداولية للواسمات في الدرس اللساني العربي ومحطات التقاطع الأبستمولوجي في الدرس المعاصر».. وتحدث فيها عن الحالة من جدلية الجملة إلى الفعالية الخطابية للمتكلم ما زالت مسألة الواسمات تستدعي فهما مغايراً عن الآراء الظاهراتية والتأويلات التوليدية إلى المحطة التداولية لموقعية الوسم في الكلام، ومن هنا تكمن مشكلة البحث وهي: هل أن التخريجات الحديثة في التداوليات الخطابية وغيرها وحركية خطاب المتكلم الكائن الاجتماعي، ثم آثاره على المستوى القصدي موجودة في تراثنا العربي وهو ما تقصيناه في المحطات التي تقاطع معها الدرس اللساني التداولي الحديث بالدرس اللساني العربي.
وننتقل إلى ورقة الباحث الدكتور عبد الرحمن بو درع الأستاذ في اللسانيات وتحليل الخطاب جامعة عبد المالك السعدي تطوان المغرب وعنوان الورقة: «نحو قراءة أيستمولوجية معرفية للتراث النحوي العربي».. ويهدف البحث الذي تحدثت عنه الورقة إلى إثبات أن الفكر اللغوي العربي القديم ما زال يشتمل على عناصر القوة والنمو والتطور ومواكبة المناهج اللسانية والفكرية الحديثة. ويحتاج المطلع على التراث اللغوي والأدبي إلى منهج قراءة ومقاربة كلما جدت أمور في المنهج والمعرفة وفي طرق الكتابة والتأليف مما لا ينبغي أن يغيب عن ذهن القارئ اللساني العربي. وتقدم الباحث الدكتور محمد بن صالح وحيدي الأستاذ المساعد في اللسانيات جامعة المولى إسماعيل بمكناس المغرب وحملت عنوان «اللسانيات والتراث النحوي إشكاليات منهجية وأبستمولوجية»، وأشار الباحث في ورقته إلى أن العلاقة بين اللسانيات والنحو العربي القديم قد شغلت حيزاً مهماً في الخطاب اللساني المعاصر وانصب النقاش حول طبيعة العلاقة الممكنة بين اللسانيات والتراث النحوي وتأرجح التحليل بين إقصاء أحد طرفي هذه المعادلة أو البحث عن أصول المفاهيم داخل هذا النسق أو ذاك، موضحاً أن البحث اللساني العربي الحديث يفتقر إلى دراسات كافية تحدد الأسس الأبستمولوجية والتصورية التي تضبط العلاقة بين اللسانيات والنحو العربي.
واختتمت الجلسة بورقة الباحثة الدكتور منال محمد هاشم النجار الأستاذ المشارك باللسانيات جامعة تبوكو جاءت ورقتها بعنوان: «الضرورة الشعرية بين نحو الجملة ولسانيات النص».. وحددت الضرورة بأنها مظهر من مظاهر الخروج عن المألوف للغة جاءت في جميع أشعار المتقدمين وأكثر أشعار المحدثين يلتقي علماء اللغة والنحو والبلاغة والنقد أو يفترقون فبفهمهم لها وفي تحليلها بين مؤيد ومعارض، وخلصت الباحثة إلى أن ما يسمى ضرورة شعرية إنما هو معان خاصة اتخذت أشكالاً لغوية كان لها أصل في الماضي تقع في خطاب الشاعر مطابقة لمقتضى حاله ومنسجمة ومتفقة لفكره وإحساسه ومشاعره سمحت بها اللغة لمفاجأة المتلقي.
وبعد.. فهذا استعراض سريع لأربع جلسات عمل من جلسات الندوة السبع حاولنا فيه تقديم إضاءة عن الأوراق المقدمة وتبقى الندوة حدثاً في حد ذاتها وربما نواصل نشر مختارات من بحوث الندوة واستكمال استعراض أوراق عمل الجلسات في قادم الأعداد من المجلة الثقافية.