Saturday 08/03/2014 Issue 431 السبت 7 ,جمادى الاولى 1435 العدد

سعد البواردي

استراحة داخل صومعة الفكر

08/03/2014

بشأن وردتين

آسية العماري

144 صفحة من القطع المتوسط

وردتنا لها أكثر في أيقونة شاعرتنا.. ماذا بشأنهما؟ هل أنهما الرمز لقلبين ولحبين عاشا على وفاق.. أو انتهتا إلى طلاق أو فراق؟ أسئلة لا يمكن الجزم.. أدبيات الديوان وحدها تملك الاستجابة والإجابة!

على وشك البدر في شفتيها

الكلام الذي كان مذ كنت والحب

لكنه لا يجيد الوصول

ويحترف البدء كل سفر

شيء ما لوى عنق اللسان.. أسلمه إلى قيد الخوف فألجمه.. هكذا بدايات الحب رغم صخبها في الداخل تبقى مهزوزة إن لم أقل مهزومة لحظة البوح غير قادرة على الأوضاع ولكن إلى حين يحين الوقت المتاح.. وإخاله قد حان.. إنها تتحدث..

أنا الحب يوجدني من فراغ النهايات

بالقلب والشعر يجعلني الريح حتى أحول جنونا

يبدد أسرارها في الدفاتر

يهذي بأحلامنا يرتوي دمعنا

يستغيث بوجه الحبيب من البعد

..ها إن سلطان الحب أو شيطان الحب خرج من قمقمه وتحدث بلغة جنون بلا قافية وقد استوطن وطن النجوى والشكوى وبدأ يتكلم بعد أن كان يتألم في صمت العاشق...

إنها تبث شعرها ومشاعرها دون خوف وهي تتحدث عن عزلتها القديمة..

لأني خطرت ببال الشمس

ندمت العزلة على النافذة

وعاملتني بخيبة أغمق ملائمة لحزن كامل

حتى مع وجه الشمس.. وضوء النهار ما زال قلبه يشعر بسواد الدنيا.. لأن الأعمق في سواده.. والأعمق في تباريحه.. إنها تجربة حياة مليئة بالصراعات الوجدانية فما إن تقدّم خطوة حتى يعالجها الارتداد ولكن دون يأس..

ماذا قالت منذ افتراقها الأول؟

ما أعذب الأزمان غير زمان

إذ عاد في ضمك الصرام الثاني

مفردة «أعذب» هنا من العذاب لا من العذوبة ..

دمعي أنهمر ويبقى مدمعي

طول النوى يبكي لما أبكاني

من بعد ما خلت المنية وحدها

بحجابها تأتي على الخلان

فإذا التفرّق في الحياة سجية

طبعت عليه خلائق الأزمان

يأبى الترفق غير أن صخوره

لما تزل ترسو على وجداني

أبيات رثائية لها فجيعة الفقد.. ووجع الفراق.. لا تسثني خليلاً ولا ما هو أقرب من الخليل يا آسية.. قدرنا أن نتأسى وأن نواسي.. وان ننتظر دورنا..وأن نذرف الدموع دون جزع.. لا أحد يبقى.. القبر وما بعد القبر هو نزلنا القادم.. على قدر الصبر يكون الاحتساب للأجر.. ألست القائلة؟

تقولين بعد القصيدة.. إني القصيدة

لا فرق في الحزن، لا فرق بيني وبينك

الحزن وحده مشروع وموضوع

تحدثت بلغة الرثاء عن فقيد واحد.. وها هي تتحدث عن موت كثير ولكن لأشياء أخرى.. عن الفراغ الذي هو أشبه بموت الأحياء الذين يعيشون على هامش حياتهم.

بعيداً عن الطيور المهاجرة أخلد للفراغ

الذي يقتل الشمس

ويستطرد في الوسادة والخيبة

الوسادة هنا الرمز للنيام الذين يصحون على واقعهم وتحدثت عن الساحة التي تحدد الزمن ولكنها مقفلة أو معطله لأن الوقت لا قيمة له. قائلة:

الساعة الآن لا تزور بلدي

وتتساقط الأصابع في الفراغ

في الفراغ تتعثر المشيئة

وأتكوم بلا باب أو نافذة

أتنفس منهما الألوان القديمة

وبعيداً عن الضوء يشربني الموت وأجف بخيباتي

الشاعر يشعر بأن قلبه مختطف.. الخاطف هو ذلك الحبيب من الجانب الآخر.. وهذا ما استشعرته شاعرتنا المتألقة المتفوّقة على نفسها.. لنقرأ معاً ماذا قالت:

بتَّ في الجو يا حبيبي فويلي

ما حياتي بغير قلبي المسافر

شد ما كانت الهموم ولكن

كل هم سوى بعادك فاتر

يئس الصبر من جنوني فألقى

حكمة فيَّ إذ عصيت الأوامر

فأنا المشوق من سيسمح ما قد

كتب الجمر في الحشى والمحاجر

وتخاطب سفينة الجو الطائرة في مناشدة أن تعيده سالماً وغانماً:

أيها الجو كن رفيقاً بحبي

لا تُجن لا تشق لا تخاطر

ولتعده إلي قلباً سليماً

إنه أول الهوى والآخر

أشعر دائماً وأنا أتابع حصادها الشعري أنني أمام موهبة تملك كل مقومات الشعر، أدبياته وأبجدياته من خلال رؤى جديدة ماتعة ومانعة..

في بيت واحد اختصرت الظلمة في رسم كاريكاتوري ساخر:

بتهمة الضوء التي قتلتني بها الثعالب يوما

ما زلت أموت

فاجعة أن يتحول الضوء إلى تهمة.. والظلام إلى نعمة.!

رسالتها إلى طفل لم تولد بعد.. اجتزئ منها بعض أبياتها:

اعبريني ذكريات لم تذق حلوى

ولم تلعب مع الأطفال يوماً

لا ولم تسمع حكايات سوى مات البطل

فأنا مثلك أخشى النوم إن حفت بعيني ذئاب وسواحر

ولصوصا يسرقون الأمنيات

ثم يرمون بوجهي وبقلبي في أراشيف الصحف

كثيرة هي المقاطع الشعورية المثيرة الجديرة بالإشارة إليها لمضامينها الحيَّة ولأن الاستراحة محكومة بمساحة لا تتجاوزها أسمح لنفسي بتجاوز الكثير من إبداعاتها.. وأن التقط ومضات شعرية خاطفة من هناك وهناك فمعذرة: هنا.. ألم. إحدى تجلياتها الرائعة:

في المجتمع يقتلع الحب من الكلمات ومن قلبين

يموت الشعر وشاعرة ويسود الحزن

في مجتمع يوقظه (أفلاطون)

يا أفلاطون يا أفلاطون صادر أحلام الشعراء

وأحلام الشعراء وحجيبات الشعراء وأنفاس الشعراء

يا أفلاطون لا أحد يخالف مثل الشعراء

يا أفلاطون عش في مجتمع ينتخب الدمعة

والريح ويلتهم تراب الأموات

يا أفلاطون خذني للمنفى واسفكني حتى آخر بوح

ففؤادي أتعس مخلوق في الحب

وعن الحسن هذه اللمحة المعبِّرة:

الحسن ما حسنه في ثوب ليلته

لو لم يكن بيضاء الشمس يكتحل

أما عن صغيرها بخطاب لا يخلو من عظة وتذكرة وهو ما زال يحبو.. ولكن كل أم تحرص على حياة فلذات أكبادها

بين بكاءين تتمادى في الألم يا صغيري

وتخون الشمس التي أحبتك يوما مع الرصيف

وحتى هذا البكاء ما زالت تتواطأ مع الريح

في جمع القلوب المبحوحة كحداء تحترق

دون أن تطعمها سكينة واحدة تعدها بفرح

وتمضي في سيمفونيتها الصعبة تخاصم الأشياء وحتى لا تكاد تعترف بالأشياء التي لا قلب لها ولا تقبل:

ما زلت تجادل النهر وتؤمن برأي الصخرة والصخرة جماد لا روح فيه ولا منطق تماماً كذلك الصغير الذي لا يعي ما حوله:

أيها الصغير الذي كتب علينا الشوك

مدى العمر.. والبكاء ولم يعطنا فرصة العنب

ولا حتى فرصة الغضب

أيها الصغير منذ أول بكاء لتسامحك الشمس

هذا ما تقدر عليه بشأن وردتين وأكثر عصفت بها ريح الخريف في ليلة شتوية معتمة في ليلة بكى فيها القمر على عذابات البشر.. انتهى.

- الرياض ص. ب 231185 - الرمز 11321 ـ فاكس 2053338