شرحتُ في المقالة السابقة مقصدي من العنوان، ومن المستحسن الرجوع إليها قبل مواصلة قراءة هذا الجزء.
توقفت في نهايتها عند هذا السؤال:
كيف يصبح اسم المبدع الموهوب الطموح ماركة بشرية لامعة قادرة على فعل الأفاعيل؟! والجواب في نظري هو: يختلف الأمر من شخص لآخر، فالعوامل والأسباب والشروط كثيرة ومعقدة الشرح؛ ولكني سأختار منها واحدًا ثقيل الوزن عندي، أو سأقترح طريقة ذكية في نظري، أظنها الأهم والأولى والأقدر على تحقيق النتائج اللامعة المذهلة.
تجاهلْ أيها الموهوبُ الطامحُ لجعل اسمك (علامة فارقة) منتجة مفيدة لك وللبشرية.. تجاهلْ كلَّ هواياتك ومواهبك ونقاط قوتك، إلا واحدة فقط.. اختر هواية أو موهبة أو صفة أو قدرة معينة من قدراتك.. ركّز بهدوء تام ودقة متناهية على مجال واحد تعشقه، واترك للرغبات والاهتمامات الأخرى اهتمامًا أقلّ وفي أوقات قصيرة كأوقات الفراغ والاستراحات والإجازات من العمل الأساسي والاختيار الأول الرئيس الذي قررت العناية الفائقة به .. ما أجمل أن يفعل الإنسان ذلك في سنين شبابه الأولى.. إن قدرة الإنسان المؤهل الطموح على اختيار الطريق المناسب في مرحلة مبكرة من حياته، ووضع الخطة الإستراتيجية السليمة لتحقيق الذات من خلاله تصنع المعجزات.
افتح بأبرز قدراتك وإمكاناتك الباب الأول من أبواب المسيرة، ثم انطلق بعد فتحه جيدًا إلى كل ما تريد، وستجد الأبواب اللاحقة تُفتح أمامك بكل سلاسة ومطاوعَة!.
العقدان الأولان من عمر الإنسان تقريبا -رغم أهميتهما- يذهبان غالبًا في الطفولة والمدرسة والمراهقة وما يتعلق بها من مذاكرة وواجبات وترفيه ومرح وعبث طفولي وتسلية واكتشاف للحياة وما شابه ذلك.
والسنوات الأخيرة من عمره -إذا كتب الله له طول العمر- يفقد فيها كثيرًا من قدراته أوكلّها باختلاف الأشخاص والعوامل.
تبقى الفترة الذهبية الوسط بين الطفولة والكهولة، فترة العمل الجاد والإنتاج والإبداع عند الجادين المحبين للتفوق والتميز والبذل والعطاء.
هذه المرحلة أثمن بكثير من قدرة غالب من يعيش فيها على استيعاب غلاء ثمنها، وما يجب أن يقوم بها الإنسان المؤهل فيها تجاه هواياته ومكنوناته الإبداعية المكنوزة داخله.. ما أكثر الذين لا يكتشفون قيمتها إلا بعد فواتها وزوالها ورحيلها عنهم أو رحيلهم عنها.
هذه المرحلة الذهبية أقصر من أن يطيل الإنسان التردد والتفكير في الخيارات والمقارنات، وغالب الفاشلين في تحقيق أحلامهم أطالوا التشتت بين الرغبات والاهتمامات، والتنقل من مجال لآخر قبل الوصول إلى النتائج المرجوّة، وبصور عشوائية فوضوية متسرّعة!!
نعم، عمر الإنسان مهما طال قصير بالنسبة لكثرة الأشياء المحيطة به، خاصة في هذا العصر المجنون الذي يركض ويقفز بنا ومعنا وحولنا في اتجاهات ومجالات واهتمامات ومواضيع واختراعات كثيرة متباينة متسارعة جدًا، تتشعب منها وتتفرع عنها طرق ووسائل وأمور عجيبة رهيبة لا تعد ولا تحصى!.
لسان حال الشاب أو الشابة بعد قراءة واستيعاب السابق:
ما هو الحل إذن؟! وكيف أصنع لنفسي الطامحة المالكة لكثير من الامتيازات والمؤهلات والقدرات «ماركة» خاصة بي، وعلامة فارقة تنقلني إلى مصافّ الكبار ومنازل العظماء؟! لا أحد يملك العصا السحرية التي تفعل بك وتحقق لك ذلك؛ ولكني سأجتهد في شرح فكرتي أو مقترحي:
يا من ترى في نفسك ما يؤهلها لتكون ماركة مميزة فارقة: سخر كلَّ شيء تقدر عليه لخدمة (العنصر الأقوى) في مواهبك فور اكتشافه، وابذل كل ما تستطيع له.. اعزف على أوتاره دون كلل أو ملل، وتذكّر هنا أن العزائم تأتي على قدر أهل العزم، وأن أجساد أصحاب النفوس الكبيرة لا بد أن تتعب قبل قطف ثمار النجاحات وبعده.. لا تتراجع ولا تتشتت ولا تغيّر المسار حتى لو ظهر لك غيره، ما لم يكن ذلك الغير -بعد التأكد التام والدراسة العميقة- أثقل منه وزنًا في مكيالك الخاص، الذي تقيس به أوزان المسارات المرشّحة لتكون النواة الأساس الأولى لصناعة الماركة الخاصة بك أنت وحدك.
خذ من كلِّ شيء شيئا، ولا تأخذ من شيء كلَّ شيء.. عبارة أحببتها كثيرًا وسرت عليها وبها في دروب الحياة منذ زمن بعيد، إلى درجة أني أرددها على رفاقي باستمرار مقتنعًا أن جوهرها أساس متين من أسس النجاح في هذه الحياة القصيرة؛ ولكن الإنسان بطبيعته يتغيّر معتقد ما لعمر وامتداد التجارب وارتفاع سقف الاطلاع. لم أحذفها ولكني أضفت عليها فأصبحت: (خذ من كل شيء شيئا ولا تأخذ من شيء كلَّ شيء، وركّز على الشيء الأبرز الذي تحبه، واجعله محورًا يدور حوله كلُّ شيء).. اجعله كعبة تطوف حولها عناصر قوتك وعناصر شخصيتك وعناصر أحلامك وقدراتك الطموحة الأخرى.. اختره جيدًا ليكون نقطة لانطلاقك، ومركزًا لتكوين ذاتك وتجاوز عقباتك وصنع انتصاراتك وجعل اسمك «ماركة بشرية»، ثم انطلق منه إلى كل شيء.
ستستطيع بعد تسجيل علامتك الفارقة الخاصة بك من خلال (الميزة الأم) أو المجال الأبرز الذي اخترته لمسيرتك.. سوف تستطيع بعدها كسرَ كلّ أرتاج الأبواب المغلقة في مختلف النواحي والميادين.
غالبُ البشر موهوبون في ظني، ولكن الاختلاف يكمن في قدرة بعضهم وعجز البعض الآخر عن إبراز مواهبه ووضع الترتيبات السليمة للنهوض بها وتطويرها وبنائها بشكل سليم، وعلى رأس ذلك يأتي موضوعنا هذا.
سأضرب مثالا ينير سخان الفكرة:
1- شابة طموحة جدا ونشيطة جدا وذكية للغاية وموهوبة إلى أقصى درجة، على وشك البدء بالدراسة في المرحلة الثانوية، أو تدرس بها، أو انتهت منها حديثا، ولديها ثلاثة خيارات أو أحلام متداخلة.. الخيار الأول: مواصلة الدراسة حتى تصل إلى شهادة الدكتوراه، بل تريد أن تصبح «بروفيسورة» في تخصص جميل تعشقه. الخيار الثاني: جمع المال وبناء ثروة هائلة والمحافظة عليها.. تريد أن تصبح «مليونيرة».
1- والخيار الثالث: الاعتناء بموهبة فنية تملكها وتحقيق المعجزات والنجاحات الباهرة من خلالها.
2- شاب يملك مثلاً مهارة ساحرة في لعب كرة القدم، ولكنه يعشق الأدب وموهوب في كتابة القصة أو الشعر أو غيرهما من فنون القلم، ويجيد الرسم أيضاً والضربَ على العود.. ومازال في بداية الشباب ويريد إشباع رغباته في تحقيق ذاته!
سيسلك كلُّ واحد منهما أحد الطرق التالية غالبًا:
أ- يبدأ ويضيع فترة في خيار، ثمين ويكتشف أن الآخر أفضل، فيعود من البداية وقد يتنقل بين خيارات كثيرة بشكل يأخذ من زهرة عمره الذهبية سنوات ثمينة دون أن يصل إلى شيء يذكر!.
ب- يختار طريقًا ويستمر فيه بهمة ضعيفة ناتجة عن إحساسه بأنها خطأ أو استعجل وأنه ليس الخيار الأفضل.
ج- ينجح في الاختيار والتوقيت والخطوات التي وضحتها، دون تردد أو تكاسل أو إضاعة أوقات، ووفق ما يراه مناسبًا لحالته، فيصبح ماركة بشرية قويّة معروفة، تحظى منتجاتها الإبداعية المختلفة بالاهتمام والرواج في أسواق الثقافات الإنسانية.. وهذا هو الهدف المنشود.