Saturday 08/03/2014 Issue 431 السبت 7 ,جمادى الاولى 1435 العدد
08/03/2014

التعرّي احتجاجاً!

في كتابها الصادر عن دار المدى في طبعته الأولى سنة 2000 بعنوان (المحاكمة) وعنوان توصيفيّ (مقطع من سيرة الواقع) تقول الروائية الكويتية ليلى العثمان، وهي تصف حالها بعد إقامة دعاوى ضد كتاباتها واستدعاء المحكمة في الكويت لها، حين قررت أن تسافر إلى لبنان لتفكّر هناك إن كانت ستعود إلى وطنها وتحضر جلسة (المحاكمة) أم سيكون لها غير تصرّف في ذلك؛ وقد ركبت بالفعل على متن الطائرة المتوجهة من الكويت إلى بيروت، وكان أن حدث التالي قبل تحرّك الطائرة من مطار الكويت:

(لم تتحرك الطائرة بعد. أقبل مضيف الطائرة. مال نحوي:

- حضرتك السيدة ليلى العثمان؟

- نعم.

- تفضلي معي.

- ليش؟؟

- يريدونك في الدرجة الأولى..)

لم تتحرك الكاتبة من مكانها، وأصرّت على البقاء في مقعدها، حين أحسّت بأن في الأمر حيلة لإخراجها من الطائرة بأمر من جهة ما، وتضيف:

(قررتُ بداخلي أن أتحدى.. أدافع عن كرامتي.. أصرخ. وسأهددهم، كل أشكال التهديد، تصل أن أخلع ثيابي.. أنزل من الطائرة عارية..)!

تقول موسوعة ويكيبيديا: (الاحتجاج بالتعري، هو أسلوب في الاحتجاج يقوم فيه المحتج بالتعري بشكل كامل أو جزئي كوسيلة لإثارة الانتباه أو إظهار السخط من سياسة أو قانون ما بطريقة سلمية. ويعود تاريخ الاحتجاج بالتعري إلى فترة ما قبل العصور الوسطى، ولعل الليدي غوديفا (1040 - 1070) أول مثال على ذلك عندما قامت بالركوب على صهوة حصانها عارية في مدينة كوفنتري البريطانية احتجاجاً على سياسة زوجها حاكم المدينة التي أنهكت الشعب بالضرائب..)

وقد اختفت تقريباً مثل هذه الاحتجاجات زمناً طويلاً من عصرنا الحديث، حتى وقت صدور كتاب ليلى العثمان (المحاكمة) وقد كان قبل الثورات العربية الأخيرة، وقبل أحداث 11 سبتمبر، وكان العالم في مطلع الألفية الجديدة مشغولاً بثورة التقنية ومدى تقبل الأجهزة الإلكترونية لأصفار العام الجديد 2000 وأظنها كانت فكرة غير مسبوقة - أو خامدة غير متجددة - في عصرنا الحديث (التعرّي احتجاجاً) ربما تحسب لليلى العثمان أو عليها، فبعد أكثر من عشر سنوات على صدور كتابها المتضمن فكرة التهديد والاحتجاج بالتعرّي، صرنا نشاهد بالفعل كثيراً من النساء حول العالم يستخدمن التعرّي احتجاجاً، ولعل أشهرهن - عربياً - المصرية علياء المهدي حين فعلت ذلك بداية على مواقع الإنترنت، بالتزامن مع انطلاق الثورات المصرية، ثم بتصوير حي من على أرض الواقع في الشارع المقابل للسفارة المصرية بالعاصمة السويدية ستوكهولم في نوفمبر من العام 2012 احتجاجاً على حكم الإخوان، محدثة صدمة مدوية في وقت كل شيء فيه أصبح مدوياً..

حالات كثيرة باتت تتوالى كل يوم عن نساء من مختلف الجنسيات تتعرى احتجاجاً على أوضاع سياسية أو اقتصادية في مجتمعاتهن، فالفعل الفضائحيّ هنا يأتي من بعض النساء كمقابل للفعل الانتحاريّ الذي قد يستخدمه بعض الرجال احتجاجاً، ولكن امرأة واحدة لم تنجح حتى الآن - وأظنها لن تنجح - أن تحدث بتعريها ما أحدثه محمد البوعزيزي من ثورات ابتدأت من تونس حين أحرق نفسه وقت صلاة الجمعة 17 ديسمبر 2010 والسبب برأيي لا يحتاج إلى إيضاح إلا إذا كان الفرق بين التبر والتراب يحتاج إلى إيضاح (!) ومع ذلك نجد، حين تم تسريب ونشر صور للمتزلجة اللبنانية جاكي شمعون المشاركة في الألعاب الأولمبية المقامة في مدينة سوتشي الروسية، وهي تتزلج عارية، إحداث ضجة إعلامية كالعادة.. حتى أصدر وزير الرياضة والشباب اللبناني قراراً بالتحقيق مع الفتاة وسحب مشاركتها من الأولمبياد، غير أن عدداً هائلاً من المعلقين على الموضوع طالبوا المتسابقة التي تعرّت من دون قصد أن تعلن بأن تعريها كان احتجاجاً على سياسة الدولة اللبنانية!

لا أريد الخوض في ذلك أكثر، سواء بالسخرية أو الجدية، لأنني بصراحة لم استطع استيعاب ما إذا كان الموضوع يستحق السخرية أم الجدية.. ولكن المؤكد عندي أنه يستحق المتابعة والاهتمام. وإن كان ثمة ما يعيب، فهو، من دون شك، يشمل أنظمة (أو منظمات) تحرّكها مصالح أفراد، فتدفع بشعوب تحت سيطرتها إلى الاحتجاج بطرق تزداد عناداً كلما ازداد الاستبداد، وتزداد حراماً وعيباً كلما ازداد الحرامُ والعيب.

- الرياض ffnff69@hotmail.com