Saturday 08/03/2014 Issue 431 السبت 7 ,جمادى الاولى 1435 العدد

العرفج .. لم تشغله الرّتب عن التأليف

إنه الراكض خلف الأزمنة المنهوبة كفاحاً وتعليماً وطموحاً. متعدد الجوانب، بدأ تعليمه عند الكتاتيب في مدينة الدلم في محافظة الخرج، وفي حلقات المساجد. تلقى علوم الدين والعربية، واستمع إلى دروس ومحاضرات عالِم الإسلام الجليل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - الذي كانت تفد إليه جموع طلاب العلم من مختلف مناطق الجزيرة العربية وخارجها.

كان لهذه البدايات أثرها الكبير في إلمامه بعلوم الدين وعلوم العربية.

انتقل بعد ذلك في رحلة علمية طموحة متعددة الجوانب في العلوم العسكرية، وكان الإقبال عليها نادراً إن لم يكن مفقوداً في المنطقة التي نشأ فيها الدكتور (العرفج)؛ وتخرج في الكلية الحربية بمدينة الرياض في بدايات تأسيس المملكة، وعمل بعدها في قطاع القوات المسلحة، وكان طموحه أن يكون رب سيف وقلم؛ فالتحق بكلية التجارة بجامعة الرياض آنذاك مع مجموعة من أصفيائه وأبناء بلدته.

واصل تعليمه في الدراسات العليا ليحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة الأمريكية، وعاد بعدها ليواصل عمله في القوات المسلحة متدرجاً في أعلى المناصب والرتب؛ إذ وصل إلى رتبة فريق، وعمل في مناصب متميزة عدة.

كان خلال الفترة التي أمضاها في التعليم والعمل شغوفاً بالقراءة، الثقافة، الاطلاع ومواكبة قضايا الأمة العربية ومجتمعه السعودي، مشاركاً في المنتديات الثقافية، الأنشطة العلمية والاجتماعية، وكان عطاؤه متواصلاً في ميدان المعرفة إبداعاً وتأليفاً. ففي مجال الإبداع قام بنشر مجموعة من قصائده ومنظوماته الشعرية. ولعل قصيدته (قرن من الدهر) بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة خير شاهد على مقدرته وأصالته في النظم الشعري؛ إذ تتحدث القصيدة عن حال الأمة قبل توحيد المملكة وجمع الكلمة، والدور العظيم الذي قام به مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز - رحمه الله -.

قرنٌ من الدهر شعث من صحائفه

من قمة المجد أمجد أمجاد وألوان

لله ما أروع التوحيد من عمل

الناسُ في ظله أهلٌ وإخوان

بعد التوحد عاش الناس في وطن

لا خوف فيه ولا ظلم وخذلان

ما قيمة الأرض إن جفت منابعها

وشكلت سطحَها صخرٌ وقيعان(1)

وتنطلق القصيدة في أكثر من خمسين بيتاً، تصوِّر أمجاد الأمة وأمجاد مؤسسها ومفجِّر نهضتها، في نظم حماسي، تعلو فيه الموسيقى بين نقع الخيول وجلجلة السيوف وإشراقة النور وحلول الأمن والأمان.. تبدد ظلمات الجهل، وتزيل الفقر بهمة الرجال المخلصين حول قائدهم. ولن تكتمل الصورة إلا بالرجوع إلى القصيدة وقراءتها لوحة كاملة البناء والتكوين..

وفي مجال التأليف أهدى الدكتور العرفج المكتبة العربية كتابه القيم المفيد (الخرج في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود)، الذي صدر عام 1430هـ. الكتاب يتناول حال وسط الجزيرة العربية في صدر الإسلام، وما تلاه في العصور اللاحقة، وما شهدته المنطقة من إهمال وتعاقب العديد من الإمارات على حكمه. يقول المؤلف في حديثه عن ذلك:

«ثم تتابعت الأحداث، وأخذت أشكالاً متعددة، تمثلت في قدوم بعثات من الشام لاستغلال مياه عيون الخرج والمنطقة، وزراعة أرضها وبعث غلتها إلى الدولة الإسلامية في العهد الأموي».

ويشير إلى أنه في آخر العهد العباسي تكونت دولة الأخيضريين، ولم تكتفِ بالاستيلاء على الأرض، وإنما أرغمت السكان على التحوُّل من المذهب السني إلى المذهب الشيعي. ثم يشير إلى توالي الأحداث والحقب إلى أن ظهرت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - وقيام الدولة السعودية الأولى، وكيف أصبحت الخرج خاضعة للحكم السعودي في قيام الدولة السعودية الثانية. معتمداً في ذلك على الرجوع إلى المصادر التاريخية والعلمية الموثقة.

وفي كتابه (الخرج في عهد المؤسس عبدالعزيز) يتحدث عن التطور الذي شهدته منطقة الخرج في جميع مجالات الحياة تعليماً وصحة وخدمات وعناية بكل مناحي الحياة الاجتماعية والزراعية والصناعية. ويدخل المؤلف العرفج في تفاصيل تلك المراحل وجزئياتها مورداً ذلك بالسنين والأرقام المساندة لهذا التطور التاريخي الكبير. كما يشتمل الكتاب على وثائق مميزة ومكاتبات صدرت عن المؤسس بشأن المنطقة أو أحد رجالتها، ممن كلفهم الملك عبدالعزيز بالعمل في مناطق أخرى، وممن وقفوا معه إبان مراحل التوحيد، ولاسيما من عائلة (العرفج)، الذين كان لهم دور رائع ومعروف في إدارة أجزاء ومناطق، فأحسنوا تلك الإدارة، وأبلوا بلاء حسناً.

يقول الناشر للكتاب «يكتسب الكتاب أهمية علمية بمنهجه وموضوعيته وما احتواه من المعلومات؛ فالمؤلف الدكتور الفريق ناصر العرفج من أبناء الخرج، يحمل درجة علمية عالية ورتبة عسكرية رفيعة، ويمتلك خبرة طويلة في مجال الدراسات والتأليف». وما أحسبه إلا كذلك؛ فلقد استطاع الدكتور العرفج أن يستشف آفاق حاضره اللاحق بركب الحضارة والمدنية، ومستقبله الواعد الحديث، وأن يمد تلك الجسور، فكان مكافحاً رائداً في كفاحه، فتح طريقاً جديدة أمام نفسه وأمام الأجيال من بعده، وطرح مفهوماً نحو العمل والعلم والإبداع.. لم يترك جانباً إلا نفخ فيه من أحلامه، فتح آفاقاً مشرقة لذاته ولمن يريد أن ينهج نهجه من أبناء مجتمعه..

** ** **

(1) الدلم في مائة عام (341) للأستاذ ناصر البراك

خالد الخنين - الرياض k-khonin@hotmail.com