Saturday 08/03/2014 Issue 431 السبت 7 ,جمادى الاولى 1435 العدد

الدنماركيون والتحفيز على الترجمة

لم يستسلم الدنماركيون لحالة ركود منجزهم الأدبي وعدم إقبال المترجمين عليه، ولم يقفوا مكتوفي الأيدي كما نفعل نحن، إنما وضعوا استراتيجية نجحت في تحفيز الآخرين على الإقبال على ترجمته، بعدما خصص صندوق الأدب والفنون الدنماركي صندوقا خاصا يقوم على دعم المترجمين ودور النشر التي تتولى نشر الترجمات.وتعتبر الكاتبة والمترجمة العراقية دنى غالي من أوائل من أفاد منهم الصندوق في تنشيط حركة الترجمة للأدب الدنماركي.

فغالي تعكف من خلال الصندوق على مشروع لترجمة الأدب الكلاسيكي الدنماركي، وقد أغرتها الترجمة للانخراط في ترجمة عدة أعمال دنماركية خارج سياق مشروعها هذا، ومن أبرزها مؤخرا رواية»إله الصدفة».

وقد بدأت غالي خطواتها الأولى نحو عالم الترجمة من بوابة المكتبة الملكية في الدنمارك التي تم تعيينها فيها مترجمة عكفت على ترجمة أعمال تاريخية منها سلسلة حكايا خرافية موجهة للطفل وهو مشروع حسب قولها كان يقوم عليه فريق مختص نتيجة احتياجه لمراجع ومراجعين بسبب اللغة القديمة وتضمن سياق الحكايا لعب للأطفال ومادة تاريخية، وكانت النتيجة كتاب جميل لايزال يعاد طباعته من قبل دار النشر كما قالت.

وقد تعرفت غالي على الروائية كريستين تورب أهم كاتبة دنماركية نتيجة لنشاطات الأخيرة الإنسانية فهي من المناصرين للقضية الفلسطينية ومعروفه بأعمالها التطوعية في المجتمع والوسط الصحفي وبعد أن قرأت رواية لها وأعجبتها لأنها تتضمن دراسة تحليلية لأعماق الإنسان. تصور من خلالها الروائية جزءا من حياتها قررت غالي القيام بترجمتها ونجحت الرواية المترجمة، وبعدها تعاقبت ترجماتها لأعمال شعرية وروائية.

وعندما صدرت رواية كريستين الأخيرة»إله الصدفة»، وقرأتها غالي أعجبتها بعد أن لمست الفروقات بينها وبين الرواية السابقة فقامت بترجمتها رغم انشغالها بمشروعها للترجمة، لكن الرغبة في اختبار مقدرتها على نقل هذه الفروقات المستجدة في أسلوب الروائية وآلية التناول والتكنيك الجديد والطبقات الصوتية المستخدمة والتي تختلف تماما فيما ورد في سابقتها ولد لديها رغبة في تحدي ذاتها وترجمت العمل.

فالرواية تبدو عالمية وتتحدث عن الطبقية والعلاقات في المجتمع، وغالي كما قالت عانت من محدودية وضيق الأفق في العلاقات الإنسانية أو كما تقول تورب في إحدى أعمالها بأن»وعينا الإنساني متوقف».

ما ورد في السطور السابقة هو ما جاء على لسان غالي أثناء استضافتها مؤخرا في جمعية الثقافة والفنون في الدمام هي و كريستين تورب صاحبة رواية»إله الصدفة»،وقد تحدثت تورب خلال اللقاء عن مشوارها مع الكتابة وأهم العراقيل التي واجهتها ونشأتها ضمن أسرة غير أكاديمية عدت فيها الأكاديمية الأولى وانتقالها من الريف إلى المدينة وانعكاسات ذلك عليها وعلى نظرتها للأعراف وبالتالي على منجزها الأدبي، وكيف فشلت محاولاتها الأولى في كتابة الشعر والصعوبات التي واجهتها بسبب بعد ثقافتها حينها عن اللغة الدنماركية الفصحى، وكيف توجهت إلى كتابة الرواية نهاية الستينات من القرن الماضي و اتبعت فيها لغة وسطى بين العامية والفصحى، ومن ثم دخولها إلى عالم النشر.وأشارت إلى أن العقلية الأوربية يصعب عليها تقبل الثقافات الأخرى وكيف بدت سعيدة وهي تبحث عن ثقافة أخرى.

وحول دلالات اسم روايتها»إله الصدفة»، أوضحت بأن الإله يأتي كرمز للمال والاقتصاد المسيطر على الغرب كما سيطر على بطل الرواية.وحول طريقتها في التهيؤ للكتابة ذكرت أنها، تقوم بكتابة مذكرات وتشرع بعدها في مطالعتها ومن ثم تتجه لعمل بحوث عنها .

واعتبرت أن السؤال المهم هو كيف غدت كاتبة في بيئة بعيدة عن أجواء الكتابة، وما الذي جعلها تختار هذا الطريق الذي يتناقض مع محيطها ويجعل من الشخص يبدو غير منتمٍ ولديه حساسية تجاه الأعراف؟ وأجابت ببساطة بأن ثمة دراما داخلية هي من فرضت نفسها.

وسجل الناقد عبدالله السفر في مداخلة اعجابه برواية»إله الصدفة»،وقال بأنها تتكون من ثلاثة أجزاء، خصصت الروائية الجزء الأول منها لرسم تكوين الشخصية فقط، فيما خصصت القسم الثاني لتحليل الشخصيات من خلال الحوار، واعتبر السفر الرواية بأنها من الروايات القليلة التي تحوي حوارا على مستوى كبير من الدراما والتوظيف رغم أنه مجرد حوار قصير جدا لكنه كاشف عن الشخصيات.

أما المترجمة غالي فاستطردت في الحديث عن ظروف هجرتها من العراق إلى الدنمارك قبل 23عاما، والصعوبات التي واجهتها، ومن ثم انخراطها في الكتابة والترجمة، وثيمات رواياتها، مشيرة إلى أن لديها أعمالا منشورة باللغة الدنماركية وأخرى باللغة العربية، ولها رواية صادرة حديثا باللغة العربية بعنوان» منازل الوحشة».

وروايات غالي تنقل الصراع الذي يعيشه العراقيون المهجرون في أنحاء العالم وقدرت بعضهم على التكيف وفشل البعض..

وفي النهاية من يستمع للمترجمة يخرج بتصور عن مدى وفاعلية ونجاح التخطيط المدروس للمؤسسة الثقافية الدنماركية، أو مايدعى بصندوق الأدب والفن في تخصيص صندوق للترجمة،والإفادة من طاقات بعض الوافدين ليس فقط في ترجمة المنجز الذي وقع عليه اختيارها كما حدث مع غالي بتكليفها من قبل المؤسسة بترجمة الأدب الكلاسيكي وإنما تمتد فاعليته لتشمل أعمالا خارج دائرة المتفق عليه كما تمتد ليكون لها دور أيضا ليس في الترجمة فقط بل في الترويج لأدب هذه الدولة.

شمس علي - الدمام