(1)
أرى هذه الأيام ضباباً وزبداً وبيضاً مخفوقاً وكل ما هو كثير!! أرى الكثير من (الأشياء الرقمية) وقد تحولت إلى كتب، من المواقع الشخصية والمدونات وصولاً إلى التغريدات الصغيرة. وليس شعراً ونثراً وإلى آخر الكلام فقط؛ بل حتى وصفات الطبخ (الإنستجرامية)!! الشيء الذي يمكن أن أسميه بـ(عقدة الأثر)!! ربما لكون كل هذه المعطيات الرقمية قابلة للهرب. وبالتالي إيجاد مرادف ورقي وإن لم يجد الحظوة ذاتها ورقاً. إلا أنه ومع كل هذا الزحام ظل يشغلني شيء آخر وسأظلُ أتساءل عن مصيره، وهو (الأدب الأثيري) إن صحت تسميتي؛ الذي كنا نطرب له في الإذاعات العربية والمحلية قديماً. هل فكَّ أصحابه عقدة الأثر أم تركوه أدباً أثيراً عبر الأثير؟! (الطيبون) الذين لا نعرف لهم أسماء ربما، أو أسماء تشابهت بغيرها. كان جديراً بأن يعقد على الأثير فيونكة بيضاء؛ لنحظى به تلقياً بين أيدينا في كتب أنيقة قلباً وشكلاً.
(2)
أُدهَش كثيراً حين أكتشف عَلاقة ما بين كلمة عربية فصيحة وكلمة أخرى من لغة أخرى. أو أنها ذاتها ولكنها تذبذبت بسبب طريقة اللفظ الذي اقتضتها عوامل انتقال الكلمة؛ حسب تنقلاتي الصغيرة بين الإنجليزية والفرنسية والعربية، والدهشة الكبرى والمتعة جراء ذلك حتى لو كانت كلمة غائرة في القدم أو من الاستعمالات المهجورة في تلك اللغة أو لفظة عامية. تدهشني دائماً فكرة اللغة نفسها وكيف أن الله تعالى هيأها بهذا الشكل!! هذه اللغة التي تخلط الأسئلة وتعيد النظر والقراءة في فلسفة نفسها، وتسأل في أصول اللغات وأصواتها، وكيف تقاربت وتعالقت، قبل حركات الترجمة والتعريب حين تقاربت المعارف الإنسانية واللسانية. حيث إنها حقل فلسفي مهم لم يتجاوزه الفلاسفة منذ ما قبل الميلاد إلى ابن رشد وتلامذته؛ باعتبارها بالضرورة أسلوب تفكير لا يفرضه إلا هي. وسبيل لفهمه أيضاً؛ لأنها منذ البداية شكل الاتصال شبه الوحيد، ومؤكِد آخر من مؤكدات أن خِلقة الإنسان واحدة وأننا نتساوى جميعاً في الموهوبات.. ونتباين في أشكالها!
(3)
ما زالت صور الحرب الأفغانية متناثرة في الكتب منذ التسعينيات في الأدب الروسي، وملامح الفنون الأخرى حوله. وكذا في الثورة الفرنسية وكيف مسحت بسَحْنتها على الفنون والآداب وأشكال الحياة بعد ذلك. مروراً بالأدب الشرقي (الآسيوي) والكثير من أماكن الدنيا. حيث نجد الدين والخرافة والواقع، وكل معطيات التاريخ والحياة في تَشكّل مفاهيم كثيرة في الأدب والمسرح على حد التخصيص. مثل هذه الأشياء لا أجدها في أدبنا «الخليجي» إلا نادراً جداً، ولن أقول العربي فقد تأثر ثقافياً بالظروف القديمة والجديدة وما زال مختلفاً عنا -إبداعاً- وأجود إلى حد قريب. لا أحب الانتقاد لا الهادف ولا الهادم، وكثيراً ما أحاول رؤية الأبيض في هذه المسافات من آدابنا ولا أستطيع إلا أن أتساءل تساؤلات صغيرة الآن: لماذا لا ننتجُ شيئاً يشبهنا!؟ قمحي كملامحنا!؟ ونتذرع دائماً بمقولة: «هذا هو الواقع» !؟ هل واقعنا ركيك ودرامي إلى هذه المسافة!؟ ولا يمكنه صنع فرق ما!؟ ولا يتلقفه الآخر إلا من أجل العلم بالشيء -المخجل- غالباً!؟ وهو الغني تاريخياً بما يسع لصنع جمال رحب أصيل!؟
(4)
من دواعي نفور القارئ العربي مؤخراً من الفلسفة تعييناً، بعض الكتابات (التنويرية) المُزوَّقة التي تلف كثيراً وتدور وتعجن لنا أشكالاً من البسكويت غير الجيد! إما زبدته زائدة وبالتالي سيكون ثقيلاً وغير صحي. وإما أن يكون جافاً حالياً لدرجة رفع السُّكر الطبيعي، أو مالحاً بطريقة غير متساوية فيرفع الضغط، أو مُراً نظراً لإسرافه في المواد الرافعة!! حين تُنصّب نفسك فيلسوفاً، أو (تنويرياً) فيجب أن تكون على نور، من أجل النور الذي فاض من الكتب «التنظيرية» المُنَوَّرَة وأتى بك. القيم لا تنمو بالنور الصناعي! هي في ذاتها النور الحقيقي الذي لا يُجْهد البصر ولا البصيرة؛ لأن الفلسفة بمعنى بسيط شيء لم يقبل التعريف المجرد الصلب، ولا حتى القراءات المكررة في السياقات ذاتها بالانحيازات الإيديولوجية أو دونها، بكل هذه التزويق ولا حتى ربطها بحضارة ما. هي ابتكار دؤوب في المفاهيم والمعرفة تداخل تام بينك وبين الحياة وإقام السؤال.