الواجب ما يراه المتكلم ثابتًا وقوعه أثناء تكلمه أو قبله أو يعد بوقوعه، وغير الواجب ما لم يقع أو جهل وقوعه، وبهذا المضمون جاءت رسالة الماجستير (الواجب وغير الواجب في كتاب سيبويه) التي أعدتها الطالبة القديرة أفراح بنت علي المرشد بإشراف الأستاذ العلامة الدكتور عزّالدين محمد المجدوب في جامعة القصيم. وتكتسب هذه الرسالة أهميتها من دقة عنوانها ولطفه، فهو يعالج معاني الكلام وتصنيفه في المقام الأول، ومن كونها تعالجه في كتاب سيبويه الذي هو أول مدونة نحوية في العربية ظلت قطب اهتمام الدارسين إلى يومنا هذا، وما زالت مادته مدهشة آخذة بألباب أهل العربية، يتعرفون فيها ما لم تخلق جدته على توالي القرون، وإنها شجاعة بالغة من الباحثة أن أقدمت على ركوب البحر حسب تعبير المبرد؛ ولكن لا غرابة إن كان ربّان سفينتها عالِمًا قديرًا هو عزالدين المجدوب.
تألفت الرسالة بعد مقدمتها من ستة فصول، أولها كان عن الواجب وغير الواجب عند اللغويين العرب المحدثين، وهو فصل أريد له أن يكون تمهيدًا للموضوع، ومن هنا كان يحسن به أن يصاغ على نحو مختصر وأن يسمى تمهيدًا؛ إذ لا ينبغي لموضوع في كتاب سيبويه أن تبدأ أول فصوله بما ليس منه، وأما الفصل الثاني فكان عن الواجب في كتاب سيبويه استعرضت فيه الباحثة في جملة مباحث: مفهوم الواجب وغير الواجب، ثم الجملة الاسمية وما يدخل عليها من النواسخ الحرفية والفعلية، وكذا الجملة الفعلية، وفي الفصل الثالث عالجت غير الواجب في كتاب سيبويه، فتناولت تراكيب الأمر والنهي، والقسم، والدعاء، والتحذير والإغراء، والاستفهام، والتمني والرجاء، والشرط، والنفي والتقليل، وأما الفصل الرابع فيعالج تراكيب تكون واجبة أو غير واجبة كالقسم في الخبر، والاستثناء، ثم يأتي الفصل الخامس ليستقصي تراكيب سكت سيبويه عنها، فلم يصنفها في الواجب أو غير الواجب، مثل التعجب، والمدح والذم، وأما الفصل السادس فعقدته الباحثة عن الواجب وغير الواجب في نماذج من المصنفات النحوية بعد سيبويه، وهذا على أهميته هو اندياح لدائرة البحث تتجاوز إطار المدونة إلى تلمس أثرها المشهود في مصنفات اللاحقين الذين هم عيال على الكتاب، ولكنها اقتصرت على أعمال شديدة الاتصال بالكتاب لا مندوحة لها عن ترداد مقولة سيبويه، فهي إما شرح للكتاب كما هو في شرح السيرافي، أو تعليق عليه كما في تعليقة الفارسي، أو إعادة صياغة لمضمونه كما في مقتضب المبرد الذي هو اقتضاب للكتاب حتى إن الدكتور عبدالخالق عضيمة رحمه الله أثبت في حواشي تحقيقه للمقتضب نصوص الكتاب، وكتاب الأصول لابن السراج هو ترتيب للأفكار الواردة في الكتاب، أما سر الصناعة فهو توسيع لآخر أبواب الكتاب وهو باب الإدغام، على أن هذا الفصل ظهر كأنه من الفضول؛ ولكنه يصلح أن يكون مختصرًا في الخاتمة، فالإشارة إلى مضمونه تغني عن التفصيل الذي ضخم الرسالة، وبينت الطالبة القديرة أن مفهوم الواجب وغير الواجب أنسي أمره عند اللاحقين الذين أهمّهم أمر السلامة اللغوية والبراءة من اللحن، فكان الاهتمام بالإعراب من أوضح أغراضهم، وصار تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء هو السائد عندهم، ودعت إلى العودة إلى مقولة سيبويه في الواجب وغير الواجب؛ ولكن ما اتصفت به مقولة سيبويه من غموض وما اتصفت به المقولة المتأخرة من وضوح هو ما أجاء المتأخرين إلى ترك مقولته علىلالها وقدرها.
اتصفت رسالة أفراح بالوضوح الذي هو شرط من أهم شروط العلم، واتصفت بدقة التعبير وسلامة اللغة، وهي في نظري في مستوى رسائل الدكتوراه إن لم تتفوق على كثير منها.