ما بعد الصحوة / تبدل العلامات
لم تمت الصحوة ولكنها في نقلة نوعية تمكنت أن تترجم نفسها عبر ثقافة الصورة، ومن ثم حافظت على استمرارها، وتجلى هذا في مظهرين أولهما في العشرة الأكثر متابعة في تويتر حيث استحوذوا على 60% من الجمهور، والثاني عبر برامج الحواريات الفضائية حيث احتلت البرامج ذات الجذر الصحوي مساحة عريضة على الشاشة مع متابعة تماثل ما حققته في تويتر، وهي هنا تستثمر الصورة بفاعلية، وتدخل في سياق التنافسية بين شخوص الصحوة أنفسهم، وكذلك مع الخطابات الأخرى، وهو تنويع كسر الهيمنة المغلقة التي كانت عنوانا للمرحلة الأولى، وتحقق التحول عن ثقافة الظنون، كما شرحناها في التوريقة السابقة إلى ثقافة التأثير عبر التنافس الذي يوظف الصورة لتسويق الأفكار، ويفتح فضاء الخيارات بين شخوص ومقولات، مما كسر التفرد المطلق والانغلاق الفئوي الذي كان من قبل من ثم أصبح كل شيء مكشوفا وموضع مقارنة ومساءلة وهذا وضع الصحوة تلقائيا لتكون ضمن التعددية الثقافية التي لم تك تعترف بها من قبل وصارت جزءا من سياق ثقافي، أي أنها تحولت إلى وجود معنوي ولم تعد منظومة حشود، ولكنها صارت جملة في سياق ثقافي متعدد ولم تعد هي التيار الأوحد الذي يرى أنه على حق وأن غيره على باطل، وأدركت أن الإسلام قيمة عليا تتشارك فيه الأطراف كلها، وكل يعبر عنه بصيغة تختلف فيما بينها ولكنها تتفق في جوهرها العميق مما يعني أن الكل يتحدث من داخل التعددية الثقافية ولم يعد قانون المروق هو الحد الفاصل حتميا بين الأطراف، مع بقاء التنازع والتنافس والتصادم، واستمرار التكتلات ولكنه تكتل متحرك وليس صلبا كما كان زمن الصحوة في سنواتها العشر (1987-1997)..