هذه ترجمة لبروفايل سلبي وغير احتفائي عن الروائي العالمي والمفكر المصري الشهير الدكتور علاء الأسواني، كتبه الناقد والروائي الهندي بانكاج ميشرا، ونشر في مجلة الأحد لجريدة نيويورك تايمز (27 أبريل 2008) التي تعتبر أهم صحيفة في العالم. ونلفت النظر إلى أننا ترجمنا أيضاً بعد المقال رسالة تعقيب مهمة من الأسواني إلى جريدة «نيويورك تايمز» تحفّظ فيها على بعض ما جاء في المقال وما نسب إليه من أقوال. ولاحظت أنّ الأسواني ترجم في مدونته الشخصية الكثير مما كتب عنه باللغات العالمية باستثناء هذا البروفايل.
بانكاج ميشرا: سيرة موجزة
بانكاج ميشرا هو صحفي مستقل، وُلد عام 1969 شمال جمهورية الهند. حصل بكالوريوس تجارة ثم على ماجستير في الأدب الإنجليزي من «جامعة جواهر لال نهرو» في نيو دلهي. أصدر العديد من الكتب الأدبية منها ثلاث روايات. يكتب باستمرار مقالات سياسية وأدبية في كبرى المطبوعات الغربية، مثل «نيويورك تايمز» و»نيو يورك ريفيو أوف بوكس»، والغارديان، ونيو ستيتسمان، و»لندن ريفيو أوف بوكس»، و»ملحق تايمز الأدبي» الشهير (TLS)، و»فاينانشيال تايمز»، و»واشنطن بوست»، و»بوسطن غلوب»، و»ذي إندبندنت»، و»غرانتا»، و»ذا نيشن»، وغيرها. عمل أستاذاً زائراً في عدة جامعات غربية. يعيش حالياً متنقلاً بين الهند وبريطانيا. أصبح مؤخراً زميلاً زائراً في قسم اللغة الإنجليزية في جامعة «يونيفرسيتي كولج لندن». آخر كتبه كان بعنوان: «من أطلال الإمبراطورية: الثورة ضد الغرب وإعادة تكوين آسيا». (بنغوين بوكس ، يونيو 2013 ، 368 ص)
ونظراً لأنّ ميشرا كان شديد القسوة على الأسواني في البروفايل، وجدت من الضروري تقديم سيرة ذاتية منصفة للأديب «العالمي» الكبير:
د. علاء الأسواني: سيرة موجزة
(إعداد د. حمد العيسى)
علاء الأسواني أديب مصري وُلد عام 1957، وهو طبيب أسنان مرموق. يكتب القصة القصيرة والرواية والمقالة، وهو أيضاً عضو مؤسس في «حركه كفاية» المعارضة في مصر التي كانت من إرهاصات ثورة 25 يناير الأولى. وُلد علاء الأسواني في 26 مايو 1957، كانت أمه زينب من عائلة أرستوقراطية، حيث كان عمها وزيراً للتعليم قبل ثورة يوليو. نزح والده عباس الأسواني من أسوان إلى القاهرة عام 1950، حيث كان كاتباً وروائياً ومحامياً، وكان يكتب مقالات في روز اليوسف تحت عنوان أسوانيات، وحصل عباس عام 1972 على جائزة الدولة التقديرية للرواية والأدب.
أتم علاء دراسته الثانوية في «مدرسة الليسيه الفرنسية» في مصر. ثم حصل على البكالوريوس من كلية طب الفم والأسنان جامعة القاهرة عام 1980، وحصل على شهادة الماجستير في طب الأسنان من جامعة إلينوي في شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية. ما زال يباشر عمله في عيادته بحي غاردن سيتي، كما تعلّم الأسواني الأدب الإسباني في مدريد ليتخاطب مع قراء أعماله الذين يتحدثون تلك اللغة. يتحدث الأسواني أربع لغات: العربية، الإنجليزية، الفرنسية والإسبانية.
في أكتوبر 2010، قام المركز الإسرائيلي الفلسطيني للدراسات والبحوث بترجمة رواية «عمارة يعقوبيان»، ولكن أعلن الأسواني رفضه لترجمة كتبه إلى العبرية أو نشر كتبه في إسرائيل لموقفه المعادي للتطبيع معها. واتهم الأسواني مركز البحوث بالسرقة والقرصنة، وقام بتقديم شكوى للاتحاد الدولي للناشرين. أصدر الروايات التالية: «أوراق عصام عبد العاطي» (1990) وعمارة يعقوبيان (2002) وشيكاغو (2007) وأخيراً: نادي السيارات (2013). كما أصدر ثلاث مجموعات قصصية: «الذي اقترب ورأى» (1990)؛ جمعية منتظري الزعيم (1998)؛ ونيران صديقة (2004). وأصدر أيضاً عدة كتب تحتوي على مجموعة من مقالاته: «لماذا لا يثور المصريون؟» (2010)؛ «هل نستحق الديموقراطية؟» (2011)؛ «مصر على دكة الاحتياطي» (2011)؛ «هل أخطأت الثورة المصرية؟» (2012). ويكتب الأسواني مقالة أسبوعية بالعربية لصحيفة المصري اليوم ومقالة شهرية بالإنكليزية لنيويورك تايمز.
حصل الأسواني على العديد من الجوائز، ومنها: جائزة باشارحيل للرواية العربية (2005)؛ جائزة كفافي اليونانية للنبوغ الأدبي (2005)؛ الجائزة الكبرى للرواية من مهرجان تولون الفرنسي (2006) ؛ جائزة الثقافة من مؤسسة البحر المتوسط في نابولي (2007)؛ جائزة جرينزانى كافور للرواية (أكبر جائزة إيطالية للأدب المترجم) في تورينو (2007)؛ جائزة برونو كرايسكي النمساوية (2008)؛ جائزة فريدريش روكيرت الألمانية (2008)، وهو أول أديب يحصل عليها في العالم، حيث إنها نظمت للمرة الأولى؛ جائزة الإنجاز من جامعة إلينوي (2010)؛ جائزة بلو متروبوليس الكندية للرواية العربية (2011)؛ جائزة تيزيانو تيرزاني الأدبية من إيطاليا (2012)؛ جائزة البحر الأبيض المتوسط للثقافة (2012)؛ جائزة يوهان فيليب بالم لحرية التعبير (2013).
ويذكر أنه تم اختيار الأسواني بواسطة جريدة التايمز البريطانية، كواحد من أهم خمسين روائيًا في العالم تمت ترجمة أعمالهم إلى اللغة الإنكليزية خلال الخمسين عامًا الماضية، وتم اختياره كأبرز شخصية أدبية في العالم العربي في استطلاع قناة العربية عام 2007، وتم اختياره من معرض الكتاب الدولي في باريس كواحد من أهم ثلاثين روائياً غير فرنسي في العالم، وذلك في مارس 2010، كما حصل على جائزة «الماجيدي بن ظاهر» للأدب العربي من مؤسسة «بلومتروبوليس» بمونتريال – كندا عام 2011.
انتهى تقديم المترجم، وفيما يلي نص بروفايل بانكاج ميشراً ونلفت النظر مجدداً إلى أنه نشر في 27 أبريل 2008.
من أين يستمد علاء الأسواني أعماله؟
ذات ليلة في الخريف الماضي انضممتُ إلى حشد صغير في غرفة مغبرة في شارع قصر النيل المزدحم في القاهرة، في مواجهة لافتة كتب عليها «مرحباً بكم في صالون الدكتور علاء الأسواني الثقافي». العديد من الجالسين حولي بدوا أناساً بسطاء ومن محبي ملاحقة المشاهير، وكانوا هناك ليروا على الطبيعة الروائي العربي الأكثر مبيعاً. الأسواني أيضاً ناقد جريء على نحو متزايد لنظام الرئيس حسني مبارك الذي مكث في السلطة دون انقطاع لمدة 27 عاماً. وبدا أن بقية الموجودين كتّاب طموحون أو طلبة يتوقون للحديث عن الأدب والسياسة. تواضع الغرفة كان واضحاً من بساطة الأثاث، وإضاءة تتكون من لمبة فلورسنت واحدة ، وكذلك كون نصف الكراسي شبه محطمة تقريباً وهناك طاولة وحيدة عليها العديد من فناجين الشاي. الغرفة كانت لا تدل على أي مظهر للبريق أو الصيت الأدبي. ومع ذلك، فقد كانت تقدم ما يشبه زلزالاً سياسياً. عندما انعقد الصالون في العام السابق، قام عملاء المباحث المصرية بترهيب صاحب المقهى، حيث كان الاجتماع منعقداً لدرجة أنه صرخ في وجه علاء الأسواني وجمهوره طالباً منهم المغادرة. ولكنه اعتذر في وقت لاحق لهم، موضحاً أنه فعل ذلك خوفاً من المباحث الذين كانوا يراقبونه.
البحث عن إبراهيم عيسى
هذا العام أصبح الصالون الأسبوعي يعقد بصورة أكثر انتظاماً واستفزازاً في مكتب لحزب الكرامة، وهو حزب «يسار -وسط» تحت التأسيس ولا يزال في انتظار الاعتراف الرسمي الكامل، لأنّ الأحزاب السياسية في مصر يجب أن تكون مرخصة من قِبل الحكومة، وأكثر حزب مؤثر ما يزال «غير قانوني» وهو «الإخوان المسلمون»، الذي حصل مرشحوه المستقلون على 20% من المقاعد البرلمانية في عام 2005، ويشكلون الآن أكبر كتلة معارضة للحزب الوطني الديموقراطي الحاكم. الأسواني، وهو صاحب جسم ضخم مع صدر عريض، هو شخص جذاب ولطيف ومهذب، يأتي للصالون عادة من مكتبه المنزلي في منطقة «غاردن سيتي» القريبة، وهي منطقة خططتها ثم بنتها بريطانيا بصورة أنيقة وفخمة، حيث إنه يجمع ممارسة طويلة من طب الأسنان مع مهنة أدبية ناجحة بشكل متزايد. في تلك الليلة من سبتمبر عندما حضرت الصالون، كان الأسواني متأخراً. لقد كان يسأل عن مصير صديقه الصحافي إبراهيم عيسى، رئيس تحرير صحيفة الدستور المعارضة للحكومة الذي كان قد استجوب لمدة ما يقرب من سبع ساعات من قِبل رجال الأمن في وقت مبكر من الأسبوع، لنشر شائعات «كاذبة» حول صحة مبارك.
كان الجو دافئاً داخل الغرفة عديمة التهوية والمليئة بدخان السجائر. ومن حيث جلست، رأيت صورة معلقة لرجل وسيم يرتدي الزي العسكري هو الرئيس جمال عبد الناصر، رئيس مصر من 1954 إلى 1970. كان الغبار يغطي الصورة المبروزة كما يغطي كل شيء آخر في مكتب الحزب، والذي تحيط به مبان من الطوب الطيني، مشيرة إلى أيام وليال صعبة من المثالية «غير المجدية» غالباً. ويمكن استشعار معان بائسة وموحشة على نحو استثنائي تنطق بها صورة أعظم زعيم لمصر في عصر ما بعد الاستعمار: إنه أيضاً الزعيم القومي العلماني الدكتاتور الذي كان رمز الوحدة العربية والعالم الثالث قبل هزيمته في حرب الأيام الستة في عام 1967 مع إسرائيل، ومن ثم تنكر خلفاؤه له.
وكما لو كانوا يؤكدون فشل عبد الناصر لبناء مصر حديثة وعلمانية، كان هناك إسلامويون من ضمن الحضور في الصالون تلك الليلة: شابان رفيعان في الغالب أنهما طلبة ولهم لحى طويلة. كان حضورهما يؤكد ثقتهم في جدية حدوث نقاش مهم داخل صالون علماني، وكانوا ينظرون بفضول وشبه عدوانية لسيدة شعرها مصبوغ بالأشقر، وترتدي «تي شيرت» بنفسجي وبنطلوناً أبيض ضيق مع بوت إلى منتصف الساق بكعب عال جدّاً. قام رجل شبه أصلع في منتصف العمر، ويبتسم، بتوزيع نسخ لكتاب ذي غلاف أخضر لامع (كتب عليه طبعة شخصية، وإهداء إلى: «جميع المضطهدين في العالم») ولكنه تجاهل الشابين الملتحيين، ولم يعطهما نسخاً.
الدين والأدب
ثم ساد الصمت عندما دخل علاء الأسواني، وهو يرتدي قميصاً أصفر قصير الأكمام. وبعد بعض الملاحظات الموجزة حول الكتب التي سيتم مناقشتها في الأسبوع التالي، بدأ في التحدث عن الموضوع تلك الليلة: «الدين والأدب». بدأ بطيئاً ثم زادت سرعته حتى بدا الحماس واضحاً في كلامه، كما بدأ يتأرجح بجسمه إلى الأمام والخلف مرتكزاً قليلاً على الطاولة ويحرك كذلك ذراعيه الطويلتين والضخمتين.
** ** **
- يتبع الأسبوع المقبل