هذا وقد أهدى مؤلفها روايته إلى مدرسته الفخرية قائلاً: «إلى المدرسة الفخرية العثمانية مربيتي الرؤوم وإلى الأدباء الوطنيين المخلصين وإلى الشعب السعودي المحبوب أقدم هذه الباكورة الأدبية مشفوعة بالإخلاص والولاء».
ويذكر معجب الزهراني في تقديمه للمجلد الرابع (القصة القصيرة) ضمن موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث – نصوص مختارة ودراسات – فيقول: «لقد ابتدأت المغامرات القصصية الأولى في أدبنا الوطني خلال العقدين الثالث والرابع من القرن العشرين كجزء من ذلك الخطاب الإصلاحي الذي بثته الأعداد الأخيرة من صحيفة (شمس الحقيقة) ثم (القبلة) فـ (صوت الحجاز) وأدت مجلة (المنهل) الدور الأهم في بلورة شقه الأدبي والسردي منه على وجه التحديد.
ويضيف: «فالكتابة القصصية لم تكن غاية في حد ذاتها بقدر ما هي وسيلة جذابة للتعبير عن الأفكار والمشاعر والمواقف.. هكذا تتكرر في جُل قصص تلك المرحلة ظواهر دالة على تلاشي المسافة بين الكاتب وكتابته وقارئها المفترض، كالتدخل المباشر في عملية السرد وتنميط الشخوص؛ ليسهل توجيه أفعالها الكلامية والعملية بما ينسجم مع آراء الكاتب من القضية موضوع الكتابة».
وكان لمجلة (المنهل) دور مهم، حيث خصصت حيزاً ثابتاً لهذا الفن السردي تحت عنوان: (منهل القصص) ثم (قصة العدد) كما أن صاحبها ورئيس تحريرها عبدالقدوس الأنصاري كان من أكثر كتّاب تلك المرحلة وعياً بأهمية فن القصة عموماً في الآداب الحديثة، كما عبر عنه بوضوح في مقدمته لقصة (التوأمان) التي يعدها البعض رائدة فن القصة (الطويلة والقصيرة) في أدبنا.
علماً بأن الأنصاري قد أصدر عدداً خاصاً بالقصة من مجلة (المنهل) وهو عدد رجب وشعبان 1374هـ الموافق مارس وإبريل 1955م، كما أن الشيخ حمد الجاسر قد نشر في العدد الثالث والرابع من السنة الثانية ربيع الأول والثاني 1374هـ لمجلة اليمامة مسابقة في كتابة القصة في موضوع (أثر التقاليد في تطور المجتمع) ورصد لها جوائز تبدأ من 100 ريال إلى 250 ريالا.
وهذا يذكرني بما بدأ به عبدالله الجفري مسابقته الأدبية بجريدة (الأضواء) بعيد صدورها بجدة عام 1377هـ 1957م في زاوية (دنيا الطلبة) بتقديم جوائز لمسابقات ثقافية منها الشعر والقصة القصيرة، والقصة الطويلة.. إذ لم يعرف هنا ما يسمى بالرواية بعد.
ويرجع منصور الحازمي بدء الوعي بخصوصية القصة كجنس أدبي مختلف عن غيره إلى جيل الستينيات [الميلادية] فقد تبلور تدريجياً لديه مستفيداً من جهود الجيل السابق.
وذكر مثالاً لذلك صدور (مجموعات قصصية) لإبراهيم الناصر وغالب حمزة أبوالفرج وسعد البواردي وعبدالرحمن الشاعر وعبدالله جفري ولقمان يونس وعبدالله سعيد جمعان وسباعي عثمان ونجاة خياط وربما غيرهم. وأضاف فيما بعد لهم حمزة بوقري وجميل الحجيلان في قصته (بعد المغيب) «.. والتي تنم عن موهبة أكيدة فيما لو قدر لها الاستمرارية، إذ إن اللغة مكثفة موحية والحدث مركز والتجربة التي يقدمها النص عميقة الجذور في الوجود الإنساني المترع بالمفارقات التي لا يلتقطها ويعبر عنها بشفافية وعمق سوى الفنان المبدع حقاً «.
وقال إن تلك الكتابات القصصية تتوزع بين اتجاهات أو (تيارات) أسلوبية وفكرية عامة، كالاتجاه الواقعي الاجتماعي، والرومانسي الوجداني والواقعية.
أما الرواية فقد قال عنها منصور الحازمي في تقديمه للجزء الخامس من (الموسوعة....) «.. وإذا كان للشعر تاريخ طويل في التراث العربي، وللمقالة والقصة القصيرة أشباه في الرسالة والمقامة، فإن الرواية هي من إفراز العصر الحديث بكل صراعاته وتوتراته على الرغم من الحكايات والنماذج القصصية الطويلة في تاريخنا القديم.
ومع بدء العهد السعودي بدخول الملك عبدالعزيز الحجاز 1343هـ 1924م بدأ الأدب ينتعش في هذه الحقبة بانتعاش التعليم والصحافة والطباعة والانفتاح على العالم الخارجي.
وكانت بداية صدور ما يعرف بالقصة الطويلة أو الرواية فيما بعد، بدءاً بـ (التوأمان) لعبدالقدوس الأنصاري، والتي تعد أولى المحاولات رغم طباعتها في دمشق سنة 1349هـ 1930م.
أما أول رواية تطبع في المملكة بعد أن أصبح موحداً ويحمل اسم: المملكة العربية السعودية فهي (الانتقام الطبعي) لمحمد نور عبدالله الجوهري سنة 1354هـ/1935م (المطابع الشرقية بجدة)، وفيما بعد (فكرة) لأحمد السباعي 1948م، و(البعث) لمحمد علي مغربي سنة 1948م.
وكانت هذه المحاولات تحمل غايات تربوية اجتماعية إصلاحية، إذ تجد روايتي (التوأمان) و(الانتقام الطبعي) تحملان عنواناً فرعياً (رواية أدبية علمية اجتماعية)، أما (البعث) فيهديها المغربي إلى: «كل شاب يريد أن يشق لنفسه طريق المجد ولأمته طريق الحياة».
وأرجع الحازمي هذا النوع من الروايات التي ظهرت في مرحلة التأسيس إلى ما يمثله الطابع التعليمي الإصلاحي لتلك الفترة، كما تمثل طموحات وتطلعات روادنا الأوائل لمستقبل أفضل.
وقال: إن الأنصاري غير معني بالعناصر الأساسية في كتابة الرواية من حبكة وتشخيص وصراع وحوار ووصف وتحليل... إلخ، بل كان مشغولاً بالقضية الرئيسة التي كتب من أجلها هذا العمل، فهي أشبه بالمناظرة الكلامية بين التعليم الوطني والتعليم الأجنبي. وأرجع نضج وحيوية روايتي السباعي والمغربي إلى حيوية مؤلفيها وقلقهما وتمردهما، مقارنة بروايتي الأنصاري والجوهري، فهما يعدان من مرحلة التأسيس.
وقال: إن السباعي استطاع أن يُدخل إلى القصة الطويلة في بلادنا ولأول مرة شيئاً من الألوان المحلية التي لم تكن معروفة في المحاولات القصصية السابقة.
وفي مرحلة التجديد يرى أن رواية (ثمن التضحية) لحامد دمنهوري التي صدرت سنة 1378هـ / 1959م أنها أول رواية فنية تظهر في بلادنا، وشبهها برواية (زينب) لمحمد حسين هيكل – أول رواية فنية في مصر تصور الريف المصري في بدايات القرن العشرين - يأتي بعد الدمنهوري إبراهيم الناصر في روايته (ثقب في رداء الليل) ثم (سفينة الموتى) وغيرها، ويضيف (سقيفة الصفا) لحمزة بوقري، و(لا ظل تحت الجبل) لفؤاد عنقاوي وغيرهم « أما سميرة خاشقجي – سميرة بنت الجزيرة- فإنها على كثرة ما كتبته من روايات لم تستطع أن تقدم أي عمل سردي له قيمة فنية، فجميع قصصها متشابهة هي الأجواء الاستقراطية.
وطبعاً لا ينُسى دور غازي القصيبي من خلال روايته (شقة الحرية) والتي فتحت الباب واسعاً للبوح من خلال روايات متعددة لم يستطع أحد أن يصرح بوضوح قبله وقد تبعه تركي الحمد في ثلاثيته (العدامة – الشميسي – الكراديب) وعلي الدميني (الغيمة الرصاصية) وغيرهم. وقال: «إن كشف المستور وقد تحقق في هذه الروايات على جميع المستويات فروايات غازي القصيبي وتركي الحمد وعلى الدميني تكشف هذا المستور على مستوى الخطاب السياسي، وروايات عبده خال وليلى الجهني تكشفه على مستوى الخطاب الاجتماعي، أما روايات رجاء عالم فتكشفه على مستوى المخزون الثقافي والأسطوري».
ونجد الكتاب الفضي لمجلة المنهل الصادر بمناسبة مرور 25 عاماً على صدورها يقول: إن مجلة المنهل تعتبر نفسها أول مجلة وطنية أرخت لمحصول (أدب القصة) لدينا بما نشر عن ذلك في أوائل سني حياتها.
وأول مجلة وطنية عنيت بالقصة (نشراً لها ونشراً عنها).
وأول مجلة سعودية خصصت فيها جائزة أدبية مادية لأحسن تأليف عندنا ونفذ دفعها لمن يستحقها وهو أحمد السباعي على روايته (فكرة).
كما نشر في عدد المحرم 1368هـ نوفمبر 1948م نقد لقصة (فكرة) للأستاذ أحمد السباعي وكاتب النقد هو رئيس التحرير – عبدالقدوس الأنصاري – وهو نقد موضوعي، وبالرغم من النقاش الحاد والجو المتأزم يومئذ بين صاحب القصة ونقادها فإن نقد المنهل لها كان برداً وسلاماً على مؤلفها.. لأنه كان موضوعياً يذكر المحاسن ويذكر المآخذ بدون أي تحامل.
وفي عدد شعبان نقد لقصة (البعث) للأستاذ محمد علي مغربي، وكاتب النقد هو رئيس التحرير.
قال الدكتور حسن بن حجاب الحازمي: عن ريادة المنهل ومؤسسها: «أسس مجلة (المنهل) وأعلن منذ البداية اهتمامه بالقصة، داعياً الشباب إلى كتابتها، ومعلناً فتح صفحات مجلته لنشرها، وبدأ الكُتاب يستجيبون لهذه الدعوة، وبدأت المحاولات تترى، والنقاشات والتعليقات حولها تضطرم، وبدأت القصة تزحف رويداً، لتكوّن لها جمهورها الذي تقبل فيما بعد روايتي (فكرة) و(البعث) لكل من أحمد السباعي ومحمد علي مغربي اللتين صدرتا في عام واحد، ودارت حولهما النقاشات والتعليقات والنقد.. «
هذا ويعزو حسن الحازمي نشر القصص إلى ازدهار التعليم وإلى وجود الوافدين الذين أسهموا في تطويره وازدهاره، كما أسهموا في إثراء الساحة الأدبية بما يكتبون من مقالات وبما ينشرون من قصص مترجمه، أو من إنشائهم، وقال: « التعليم الذي فتح باب الابتعاث؛ ليعود المبتعثون فيسهموا في تطويره وازدهاره، ويسهموا في إثراء الساحة الأدبية، وتوجيه الأنظار إلى الرواية على وجه الخصوص، وكل ذلك أدّى إلى زيادة الوعي لدى الطبقة المثقفة، وزيادة تطلعها إلى فن روائي يثري الساحة الأدبية الخالية من هذا الفن، فكان أن حقق أحد المبعوثين العائدين رغبة الجماهير المتعطشة، وكتب أول رواية فنية، وهي رواية (ثمن التضحية) لحامد دمنهوري، التي عدها النقاد البداية الحقيقية للرواية في المملكة العربية السعودية، وليكون عام 1378هـ 1959م هو العام الذي صدرت فيه هذه ال رواية – مرحلة جديدة من مراحل تطور الرواية السعودية.. «